بعد كآبة الشتاء، يأتى الربيع لتكتسى الأرض بالخضرة، لتسعدُ العين وتنعش الروح، بدأ الاحتفال بقدوم الربيع فى مصر الفرعونية، فى الحادى والعشرين من سبتمبر من كل عام، وكان يُسمى آنذاك بيوم الزينة، ابتهاجا بالأجواء الربيعية ونضوج ثمار المحاصيل الزراعية، وكثرة الأسماك فى النيل، حتى دخلت المسيحية مصر، فاعتنقها الشعب المصرى عن بكرة أبيه، فكان يوم الحادى والعشرين يتعارض مع الصوم الكبير، ما يمنع المصريين من تناول الأسماك والبيض، فاجتمعوا بأن يكون يوم الربيع يلى عيد القيامة المجيد؛ فى الربيع تجدد العلاقات بين الكائنات فيكثر فيه التزاوج، وعودة الطيور المهاجرة لأوطانها، وتتفتح الزهور، فلغة الورد لا تحتاج إلى مترجم، فله فى رسائل المحبين تفانين، فالورد الأبيض للصفاء والعفة، والأحمر لشدة الحب ونيرانه، والأصفر للغيرة، والنرجس للأنانية وحب الذات، والسوسن للكبرياء، والبنفسج يعبر عن الحزن؛ ولولا صبر الورد على وخز الشوك وتحمله الألم، لِمَ كافأه الله ليكون هدية الملوك والمحبين.
يوم شم النسيم فرصة للخروج من جمود المدينة وقسوتها، إلى الطبيعة الخلابة؛ شعراء كثيرون كتبوا عن الربيع ومطربون تغنوا، فيقول أبو عبادة البحترى: آتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا، من الحسن حتى كاد أن يتكلما، وقد نبه النوروز فى غسق الدجى، أوائل ورد كُنّ بالأمس نوما، ويقول مصطفى بطران شاعر سودانى: أنا يا ربيع أراك نفحة الخالق، وهب الحياة محبة وجلالًا، أن الذى سواك رب مبدع، يهب الجمال لمن يشاء جمالًا.