قابلته بالأمس، كهل بدت عليه أعراض شيخوخة بائسة، انسحب شعر رأسه الأبيض للربع الأخير للوراء تاركا بقية الرأس كصحراء جرداء، تغضن وجهه، ثقل لسانه لدرجة مخيفة.
سـألته عن أحواله، جاء ردّه تقليديا فى مثل هذه الأحوال، سرحت بذاكرتى للوراء عشرات السنين، بدايته القوية حبه للتمثيل، انطلاقاته فى مجالات فنية شتى، ولوج عالم التمثيل بصورة واضحة برغم تواضع الأدوار التى أسندت إليه إلاّ أنه كان يفوق أقرانه من نجوم الصف الأول والثانى الآن.
بجوار موهبة التمثيل، امتلك موهبة التجارة وطرح أفكار ابتكارية جديدة، استفاد منها، من حوله كثيرا، ثم دارت الدنيا دورات كثيرة، اختفى من المشهد، ذكّرته بالأيام الخوالى، كست وجهه علامات الجد الممزوجة بالحزن العميق، عددّ مواقف كثيرة أعاقته عن الطريق، منها زيجات ثلاث فاشلة، خرج بكل منها بديون وأعباء أسرية وأبناء.
صارحنى بفشل كل مشروعاته التجارية، لثقة كبيرة أودعها شركاءه ومعارفه فاستغلها هؤلاء أسوأ استغلال، ثم ضحك حتى بان فراغ كبير فى فمه، مستهزئا من نفسه وسلوكه، فقد تيقن مبكرا أن مستقبله لم يكن فى التجارة لكنه عاند نفسه بتأثير وهم التجربة والتعلم.
ودّعته على أمل لقاء قريب، حتى توارى عن ناظرى، حزنت لما آل إليه وكثير من أبناء جيلنا، لم يرد بخلد أى منّا أن تكون البداية قوية كرصاصة انطلقت فى السماء، فرحنا لصوتها وما خلّفته من ضوء ودخان ولم نعِ أن لها مسافة لن تتجاوزها ثم تسقط من شاهق وتطئها الأقدام ربما يلتقطها أحدهم ويندهش أو يأسف لمصيرها.