بالتأكيد يا عزيزى القارئ المحترم أن دموع الرجال عزيزة جدا وقد لا تتساقط عبرات الرجل حتى ولو تقطعت أجزاء من جسمه، ولكن وفى حالة هى أقل بكثير من ضرب السيوف أو استئصال جزء من الجسم تساقطت عبراتى وأنا أستمع لحديث الذكريات الذى جمعنى بوالدى، ذاك (الشيخ الكبير) فقد حلقت به وبى ذاكرته فى ذاك الزمن الجميل الذى ما أن نذكره حتى نترحم على (زمان) وأيام زمان.
تطرق حديث والدى للأحباب وكيف كانت النفوس الصافية والقلوب البيضاء، فآثرت أن أقتحم تأملاته فى الماضى البعيد بسؤال عاجل (ما الفرق بين الحب الآن وفى زمنك الجميل الذى تمتدحه يا والدى؟)، فيقول بعد تنهيدة مطولة كأنها تستدعى أحداث من الزمن الغابر (فارق كبير يا ولدى بين الحب كان والآن)، فالحب فى هذه الأيام مشوه وإذا نطقت بهذه الكلمة سوف يتبادر لجميع من يسمعك أنك تقصد الحب العاطفى الذى يربط بين الرجل والمرأة، لأنهم وللأسف لم يشاهدوا غيره ولم يجربوا سواه وحتى ما تدعون أنه حب بطريقتكم الحديثة هو حب (مسلوق) لا طعم له.
أما ما قصدته يا ولدى هو (الود) أو الحب فهو شكل مختلف بكل المقاييس عن الحب فى زمانكم، ففى أيامنا كانت المودة والمحبة الخالصة لوجه الله كما يقول رسولنا الكريم (رجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)، فقد كانت المحبة أشمل وأعم من مفهوم الحب الحالى ولا أقصد تشويه أيامكم يا ولدى، فالخير موجود بشكل أو بآخر، ولكن دخلتم فى صراع مع الدنيا فألهتكم عن أهم الأشياء التى تريح النفس ألا وهى (راحة البال).
و(راحة البال) يا ولدى لا تتأتى إلا بصفاء السريرة التى قل وجودها بسبب تسارع وتيرة الحياة، ومن أهم أسباب (راحة البال)، الرفقة الطيبة أو (الأحباب) الذين يعينونك على الدهر إذا تقلب فتجد من يخفف عن عاتقك ويحمل عنك ولو بعض ما على قلبك وعقلك من خلال والوقوف بجانبك ولو بالمشورة الصادقة التى قل وجودها الآن.
كان والدى يتحدث وأنا أحلق بفكرى فى تصور حالنا الآن وقد ألهتنا الدنيا، فقد شغلتنا حتى عن أقرب الناس إلينا، وبدأت أسأل نفسى (لماذا تعتب على الغير وعلى هذا الزمان؟) فمنذ متى لم تزر صديقاً ربطت بينكما المودة؟ ومنذ متى لم تصل رحماً دعاك ربك وأوصاك نبيك بصلته؟ وهل ستجلس كثيراً تندب حظك العاثر وتلصق بغيرك التهم وتسوق الأسباب التى أدت لتردى حياتنا وأنت أول من شارك بإهمالك لنفسك وأحبابك وأرحامك؟.
ووجدت نفسى فى صراع داخلى يقول لى (ابدأ بنفسك)، نعم ابدأ بنفسك ولا يضيرك اعوجاج غيرك أن ضل، بل واشكر ربك كثيراً أن هيأ لك من يوجهك إلى الطريق الأقرب (لراحة البال) التى ينشدها الجميع، ولكن الغالبية العظمى ضل الطريق عنها، ولكنى فوجئت بقطرات دافئة تتدفق من عينى وكأنها تغسل قلبى قبل أن تطغى عليه ملهيات الحياة، ووجدتنى أحادث نفسى بصوت مرتفع (نعم سوف أبدأ بنفسى) وسوف أدعو غيرى لفتح صفحة جديدة مع الحياة، صفحة أسطر فيها كل ما يدعوا إلى (راحة البال) وصفاء السريرة، وأول تلك الأمور هى (المودة لله) وصلة الأرحام والتقرب إلى الله بصنع الخير، ففيما سبق إعادة لترابط المجتمع ونشر الحب الحقيقى بين الناس، فهل تجد دعوتى لنفسى ولكم الصدى المناسب لنبدأ من جديد؟.