حظيت مصر فى العقود الأخيرة بالعديد من العلماء الأجلاء الذين رفعوا اسم مصر علمياً واجتماعياً ودينياً عالياً، علماء قدموا الكثير من الإسهامات كل فى تخصصه فأفادوا مصر والعروبة، وفى مقابل ذلك نجد بعض الأسماء من أساتذة الجامعات المصرية بات همهم الشاغل إصدار المزيد من المؤلفات العلمية من أجل الحصول على امتيازات مادية فقط، فبات إصدار الكتاب عندهم بمثابة مصدر دخل إضافى دونما أدنى مراعاة لشروط الاقتباس أو دقة الأسلوب، فغدت المكتبة العربية تعانى من زخم السرقات وركاكة الأسلوب دونما أدنى رقابة.
من أبرز الشخصيات المصرية العظيمة، على سبيل المثال فقط، نذكر فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى، والأستاذ محمد حسنين هيكل.
تخرج الشيخ الشعراوى عام 1940م، وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943، وتقلد العديد من المناصب التى من أبرزها: رئيس قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بكلية الشريعة بمكة المكرمة عام1970، ووزيراً للأوقاف وشئون الأزهر بمصر عام 1976، وحصل على العديد من الجوائز القيمة، وترك ما يربو من الستين مؤلفاً دينياً ـ تلك المؤلفات التى تعد من أمهات الكتب التى يرجع إليها الباحثون وأساتذة الجامعات لصياغة أبحاثهم ومؤلفاتهم.
وعلى غرار الشيخ الشعراوى، وفى غير تخصصه نجد الأستاذ هيكل، أشهر الصحفيين العرب والمصريين، والذى تقلد العديد من المناصب كان من أبرزها وزيراً للإعلام عام 1970، وخلف من ورائه العديد من المؤلفات بالعربية وبالإنجليزية، والتى باتت هى الأخرى من أهم المراجع التى يلجأ إليها الباحثون وأساتذة الجامعات لإعداد أبحاثهم ودراساتهم.
وفى مقابل هذه الشخصيات المصرية الرائدة، نجد العديد من أساتذة الجامعات المصرية يعمدون إلى فبركة الكتب العلمية والنسخ واللصق من هنا وهناك لإخراج الكتاب بأى شكل كان، ودونما مراعاة لقواعد الاقتباس أو عمق الأسلوب المتبع فى ذلك.. المهم عند هؤلاء هو إصدار الكتاب والحصول على المكاسب المادية فقط.. وذلك كله فى ظل غياب تام لآلية الرقابة وكأنهم فوق القانون..
والمثير فى الموضوع أن أيا من الشيخ الشعراوى أو الأستاذ هيكل لم يتحصل على درجة الدكتوراه فى تخصصه، ومع ذلك أفادونا وما زالوا، وعلى النقيض نجد البعض ممن تحصلوا على تلك الدرجة العلمية وقد تخلوا عن أخلاقيات بل وشروط البحث العلمى وبات شغلهم الشاغل المكاسب المادية فقط.
وبعد أن ظهرت الفروق واضحة بين هذين الصنفين، أقل ما يجب فعله هو تكريم هؤلاء العلماء الأجلاء وقطع كافة السبل أمام السرقات العلمية المتكررة وركاكة الأسلوب ومراعاة شروط الاقتباس من أجل العودة بالكتاب العربى إلى مكانته اللائقة.
ومن موقعى هذا، أناشد وزير التعليم العالى ووزير الثقافة، أنه بات من حقّ علماء مصر الأجلاء تكريمهم وذويهم، ومنحهم ما يستحقون وأكثر نظير ما قدموه لرفعة وطننا، وما أثروا به مكتبتنا العربية، وفى مقابل ذلك، يجب التصدى لكل عابث بمستقبلنا العلمى، لكل باحث أيا كانت درجته أو منصبه، يحاول الحصول على المكاسب المادية دونما وجه حق، ودونما مراعاة لشروط الاقتباس والصياغة حتى تنهض أمتنا وتتقلد دورها المفقود.