كلمة صديق هى صفة تنطبق على من يرتبط به شخص آخر بعلاقة متينة وقوية للغاية.. لدرجة أنه يبحث عنه فى وقت الشدة والضيق حتى يخرج ما فى صدره وعقلة من هم ويجد من يحمله معه .. ومن يحمل صفة صديق يتمتع بثقة من منحه اللقب أكثر من أى شخص آخر .
وكلمة صديق جاءت من الصدق .. أى أنه يجب أن يتوافر عنصر الصدق فى العلاقة بين الأشخاص حتى ترتقى تلك العلاقة لدرجة الصداقة .. والصدق ليس صدق القول فقط وإنما أيضا صدق المشاعر وصدق النوايا .
والصديق ليس هو الشخص الذى يرافقك فى العمل أو من يجلس معك على المقهى، إنما هو الشخص الذى تشعر بحب الحديث معه وأنت متيقن من أن حديثك معه لن يعرفه أى شخص آخر .
فمن لا يعرفك إلا لقضاء بعض الوقت معاً فى الخروج والمرح أو السهر على مقهى فهو ليس بصديق، وإنما هو (صاحب)، وهناك فرق بين (الصديق والصاحب).
فالصديق هو من يبحث عنك ليطمئن على أحوالك دائماً مهما فرقت بينكم هموم ومشاغل الدنيا .. الصديق هو الشخص الذى لا يتغير معك أبداً مهما اختلفتم فى الآراء، سواء كانت سياسية أو رياضية أو أى ما كان الفكر المختلف بينكم. وفى بعض الأحيان يحمل همك أكثر منك وتجده مشغولاً بك أكثر من انشغالك بنفسك .
أما الصاحب فهو الشخص الذى تجده فى بعض أوقات حياتك ولا يكون مؤثراً كثيراً فيها .. فتجد نفسك قد تلجأ إليه أو يلجأ هو إليك لقضاء بعض الأوقات المرحة .
فكلنا لدينا أصحاب كثر ولكننا نمتلك القليل من الأصدقاء .. فليس كل من تجمعنا بهم علاقة طيبة يحملون صفة الصديق ومنا للأسف من لم يجد لنفسه صديق ... ومنا من كان يعتقد أنه يمتلك فى حياته صديق أو أكثر ثم فى وقت الشدة اكتشف أنه كان موهوما، وكان من حوله هو فى الأصل (صاحب) أو مدعى (الصحبة والصداقة).
جاء رجل ليزكى شاهدًا عند عمر بن الخطاب رضى الله عنه ويشهد له بالصلاح
فسأله عمر فقال له أو تعرفه .. قال الرجل: نعم
قال عمر لعلك جاره الذى يرى مدخله ومخرجه.
قال الرجل لا
قال لعلك صحبته فى السفر الذى يعرف به أخلاق الرجال
قال الرجل: لا
قال لعلك عاملته بالدرهم والدينار الذى يعرف به ورع الرجال
قال الرجل: لا.
فقال عمر: لعلك رأيته فى المسجد قائمًا يصلى يهز رأسه بالقرآن ويركع مرة ويسجد أخرى
قال الرجل نعم
فقال له عمر اذهب فإنك لا تعرفه
فمعادن الرجال تعرف من المعاملات .... وأخلاقهم تعرف فى السفر ....فمن يظهر فى حياته صديق يحمل صفات الوفاء والأمانة فليتشبث به، لأنه ربما لن يجده مجدداً، خاصة أننا فى زمن لم يعد فيه من الصدق إلا القليل .
زمان .. كان هناك مودة وحب بين الناس وذلك كان طبيعياً ... فالجار كان صديقا ... وزميل العمل كان صديقا ... والصاحب كان صديقا ...
فأنا أتذكر أننا عندما كنا صغار، وكانت تحدث حالة وفاه لجار لنا كان أباؤنا يمنعوننا من أن نفتح (التليفزيون)، ويقال لنا (عيب) حتى نشارك الجار حزنه .... وعندما يكون عنده فرحة كنا نحمل (أكياس السكر وزجاجات المياه الغازية) وندخل بها عليه لنعبر له عن فرحنا بفرحه.... كانت هناك صداقة حقيقية بين الناس .. كانت هناك نوايا صافية.
لم يكن هناك فى ذلك الزمن لا سياسة تفرق بين الأهل ولا مباراة كرة قدم تجعل الأصحاب يتعاركون. فبرغم وجودهم حينها إلا أنها كانت لا تفرق بين اثنين، فربما يختلف شخصان فى الرأى ولكن كانت هناك صحبة وصداقة وقرابة حقيقية .
وفى زمننا هذا لم يعد هناك خير فى قلوب الناس إلا قليل .... وإذا استمرت حالة التدهور فى علاقات الأفراد ببعضهم البعض لبضعة سنين أخرى فى المستقبل بهذا الشكل، فربما لن يجد أبناؤنا من يعيش معهم فى هذه الدنيا ويصبح كل فرد فى المجتمع حدود حياته، هى (عتبة باب شقته). لذلك يجب زرع حب البعض للبعض فى قلوب الأبناء، وأن نعلمهم حفظ الجميل وعدم نكرانه.. ونعلمهم معنى حب الخير للغير... حتى يكون الغير... هو الصديق.