تسعى وزارة الداخلية منذ 30 يونيو لاستعادة علاقتها الجيدة مع الشعب المصرى، وأن تعود مضخة للأمن فى شارع مصرى يعانى من البلطجة والعشوائية، ووسط تحديات كبيرة وصعبة نجحت حتى الآن فى مواجهتها بشكل لائق، وقدمت تضحيات عظيمة فى كل شبر من هذا الوطن، فتلقى جنودها الرصاص وواجه ضباطها المتفجرات والقنابل وتلقوا الطعنات عن الشعب المصرى.
على مر الشهور الماضية، قال اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية لقطاع حقوق الإنسان، بمجهود هائل لتوضيح الصورة الحقيقية للوزارة ودفع الشبهات والشائعات عنها، الرجل فعلياً بدا وكأنه لا ينام، انتقل من قناة فضائية لقناة أخرى فأجد الرجل هنا بعد أن كان هناك يوضح أماكن من يُزْعَم أنهم مختطفين قسرياً ويرد عن عرض وزارة تكالب عليها أعداء هذا الشعب، ويرغبون فى قهر هذا الشعب وكسره عن طريق كسر مؤسساته الأمنية، والرجل متاح أمام أى قناة وأى صحفى للاتصال به والاستفسار عن أى شىء فى أى وقت، لم نشهد هذا الكم من التواصل من قبل، ولم تكن تساؤلاتنا واستفساراتنا تصل إلى الداخلية ويُرَدْ عليها بتلك السرعة من قبل، مجهود رائع أجزم بأن غالبية الشعب المصرى قد أحسوا به ورضوا عنه ، وأجبرهم هذا المجهود الذى يرونه على مزيد من الالتفاف حول مؤسساتهم والمزيد من الدعم للقيادة السياسية والتى لم نكن لنرى ذلك المجهود وذلك التقدم لولا أن كانت توجيهاتها ترنو لذلك.
لكن أمام هذا المجهود الجبار وأمام كل هذا التعاطف نجد أنفسنا أمام قلة دخيلة تسىء لكل تلك المجهودات، وتقضى على تلك العواطف وتحاول تجفيفها، بعض التجاوزات الفردية من تلك القلة أصبحت تُسىء للمؤسسة بأكملها، بل أصبحت عبئاً عليها، ما حدث فى مستشفى المطرية كان عينة من ذلك، ولعل وقف الأمناء المتجاوزين عن العمل وإحالتهم للتحقيق قد شفى صدورنا إلى حد كبير، وأكد صحة أفكارنا عندما أكدنا من قبل على أن مؤسسات الدولة بإجمالها هى مؤسسات شريفة لا ترعى الفساد ولا تتستر عليه، وأن ما نراه من تجاوزات لا يعدو عن كونه رعونة ولا مسئولية من تلك القلة المندسة والتى ثبت سعى تلك المؤسسات للفظها والتطهر منها.
كثيراً ما ننتقد تلك التجاوزات ونظهرها، لكن الفارق كبير بين من ينشرها لتصل لقيادات تلك المؤسسات لتحاسب المتجاوزين وتطهر أنفسها، وبين من ينشرها للتعميم وليحرض على هدم تلك المؤسسات وإشاعة الفوضى، فارق كبير أيضاً بين من ينشر تجاوزات حقيقية بحسن نية ومن يزور ويفبرك بعض تلك التجاوزات، ولعلى بنفسى رغم تعليمى الجامعى العالى ودراستى فى كلية الطب قد وقعت خطئاً من قبل فى أحد تلك الفخاخ التى ينصبها بعض محرضى هدم الدولة، حيث أذكر أنى نشرت من قبل مقطع فيديو كان متداولاً على أحد مواقع التواصل الاجتماعى يُظهِر اعتداء أحد أفراد الداخلية على أحد المواطنين، ومن ثم وجدت نفسى عاجزاً عن الرد عندما سألنى أحد أصدقائى عن دليلى على صحة ذلك الفيديو، وكان ردى وقتها بأننى نشرته لكى يصل لقيادات الداخلية لتحقق فيه وتحاسب ذلك المتجاوز، صديقى كان يرى بأن ذلك بالضبط ما يريده بعض سيئى النية الذين يبثون مثل تلك الفيديوهات، يريدون من الجمهور العادى ومن حزب الكنبة أن ينشروا مثل تلك الوقائع بحسن نية مثلما فعلت لأنها ستترسب فى وعى غالبية الذين يرونها وكأنها وقائع حقيقية ولا يهم أن يظهر تكذيبا لها بعد ذلك، فغالبية من يسمعون عن تلك التجاوزات لا يهتمون أبداً بتكذيبها أو معرفة الحقيقة بعد بيانها.
فكرت لوهلة فى ما قاله صديقى، وبدأت بالتفكير والبحث فى كثير من الوقائع والتجاوزات التى كنت قد نشرتها من قبل وتحدثت عنها ثم أنى قد فوجئت من نتيجة بحثى أن غالبية تلك التجاوزات قد تمت محاسبة من قام بها أو ثبت كذبها.. لكنى لم أعلم أبداً، والأكيد أن غالبية الجمهور لم يعلموا أيضاً.. وأول ما فعلته كان حذف تلك الوقائع التى لم أتأكد منها وذلك الفيديو الذى لم أتمكن من الوقوف على مدى صحته.
فمثلاً كلنا نعلم عن واقعة تقييد ضابط لسائق أجرة فى الطريق بالإسكندرية بعد خلاف مرورى وكلنا رأينا ذلك الفيديو، لكن من منا يعلم بأن ذلك الضابط قد تم وقفه وإحالته للتحقيق؟
وكثير منا سمع عن ضابط شرطة أطلق النار على مواطن فى الشيخ زايد بسبب خلاف مرورى، لكن من منا يعلم بأن ذلك الضابط قد تم وقفه وإحالته للتحقيق أيضاً؟
بالطبع لا أعفى نفسى من المسئولية، لكن ربما يشفع لى حسن النية، والشاهد هنا أنه من الواجب علينا جميعاً الوقوف والتثبت قبل أى كلمة نكتبها أو ننشرها والواجب علينا أن نعلم أن الكلمة مسئولية، ولعلى قد وجدت فى تجربتى تلك ما قد يُعْتَبَرْ به بأننا كمواطنين عاديين يمكن استغلالنا واستخدامنا بدون أن ندرى من قبل تلك الجماعات التخريبية التى لا هم لها سوى إسقاط الدولة وقتل أبنائنا مستغلين حسن نياتنا وخوفنا على أوطاننا، فاحذر عزيزى القارئ واحرص على أن لا تكن حسن نيتك هى السلاح الذى يطعنك به عدوك.