أعيش الماضى وأحاول التشبث به حتى لا أخرج إلى قبح الحاضر. نعم فى الماضى كانت أدوات التعاطى مع الحياة بسيطة جدا، كنت أتناول طعامى البسيط على طبلية خشب، عليها أنواع بسيطة من الأطعمة. ولكن كانت تحتوى على بركة وقناعة ورضا ولمة الأسرة والعائلة بروح المحبة، نفس الطبلية الخشب كنت استخدمها فى مذاكرة دروسى ومعها اللمبة البانور البسيطة، لكن كان الذهن صافيا والطموح كبيرا والقلب متحمسا، المصطبة وشاى العصرية ولمة الأحبة والأصدقاء جلسة بلا رياء ولا نفاق بلا مصلحة الجميع يتسامر ويمرح ويمزح وربما لا يمتلك أحدنا ربع جنيه فى جيب جلبابه، الفرن البلدى وعيش البتاو البلدى وصينية المسقعة والدرة المشوية ولمة ستات الحتة، وآخر النهار يتم توزيع العيش البتاو البلدى على الجيران والأهل والأصدقاء، البيت البسيط مبنى بالطوب اللبن وسقف جريد أو خشب وحصيرة من قش البوص فى الصيف جو البيت تكييف طبيعى وفى الشتاء دفاية طبيعية .
قلة المية الفخارى. وكانون الحطب البلدى، ولحاف بسيط يغطى الأسرة والكل يحتضن بعضه بالحب والبساطة، المدرسة والاحترام والتقدير للمعلم فهو الأب والمرشد والقدوة، الراديو وإذاعة صوت العرب والشرق الأوسط وحفل أم كلثوم يوم الخميس وصوت العندليب وبحلم بيك والمعلق الرياضى على زيور، رحلت جميع الأشياء ووجدت نفسى فى مكان وزمان آخر، وجدت نفسى مرغما أن ألبس بدلة النفاق بدلا من جلباب البساطة والمحبة، أجلس على سفرة مليئة بأنواع الأطعمة، ولكن بدون طعم أو مذاق، ومنزل مصمم على أحدث تراث لكن يحرقه الحر فى الصيف ويجمده الطقس فى الشتاء، رحلت المصطبة بمحبتها وبساطتها وجاء الأنتريه الفخم بنفاقه واكتئابه، رحل الراديو ببريق إذاعته وثقافته وجاء التلفاز والنت بالصراع والخراب ووقاحة الكلام، رحلت القلة الفخارى وجاءت الثلاجة بأمراضها، نعم أنا فى مكان وزمان آخر لا أريد العيش فيه، فهذا يطعنى وذاك يحقد على وأخر يريد إسقاطى، إنى أحاول الهروب وأجرى فى طرق وشوارع لعلى أجد زمانى ومكانى، لكن اختفت كل ملامح مكان وزمان الماضى الجميل، فها والدى وأحبائى وأصدقائى ابتلع معظمهم القبر ومن على قيد الحياة منهم يحاول مثلى البحث عنى وعن زمانى ومكانى، فها هم أشبال الأجيال الحالية تفتخر بالسيجارة الملفوفة وأصدقائهم أبو سنة الحشاش أو أبو جهل المتطرف، ها أنا أراقب ابنى وأحاول أن أهرب به خارج هذا الزمان، فهو ليس زمانى ولا مكانى، رحلت المحبة والرقى والذوق، وأصبح التصلف والركاكة والسفالة ثقافة حياة وأجيال، من ينقذنى من هذا الزمان الردىء؟ .