تعرف القوى الناعمة بأن هى القدرة على الحصول على ما تريد بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال، وتعرف أيضا بأن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق، ومن خلال الدعم فى مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، مما يؤدى بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباعه.
نجحت الولايات المتحدة خلال القرن المنصرم بأن تخترق العالم كله من خلال قوتها الناعمة، وازدادت شعبيتها كثيراً وارتفعت إلى عنان السماء فأصبحت مركزاً عالمياً لا يضاهى فى السينما، وكانت الدولة تبث الرسائل من خلال أفلامه لما ستفعله أمريكا فى المستقبل.. فقبل اتخاذ القرار والقدوم على تنفيذه تكون أفلام هوليود نفذته عشرات المرات فيصبح الشباب فى العالم كله المنبهر بالسينما الأمريكية قد تمت تهيئته لفعل الأمر، وحتى الآن فى الدول المقاطعة لأمريكا ومنتجاتها يقومون الشباب فى هذه الدول بالحيل لجذب أو رؤية الإنتاج الأمريكى .
فى إيران بتسعينات القرن الماضى كان الشباب يهرب الأفلام الأمريكية ويتبادلونها فى الخفاء وكأنهم يتعاملون مع صنف من المخدرات، وكانت تجارة رابحة وقد لا يكون الإبهار على مستوى الشعوب فقد يصعد لمستوى الحكام، فالزعيم الكورى الشمالى السابق (كيم جونج إيل) كان يمتلك مكتبة خاصة تحتوى على عشرات الآلاف من أفلام السينما الأمريكية وغيرها على حسب رواية الممثلة الكورية الجنوبية (شوى أون هى) الذى اختطفها كيم جونج إيل هى وزجها المخرج من كوريا الجنوبية لكى يعلو من جودة الفيلم الكورى الشمالى، فكان الرجل يعلم جيداً أثر السينما فى نفوس البشر .
ولا تقتصر القوى الناعمة على السينما فقط مع أنها الأسرع انتشاراً والأكثر تأثيراً من أى قوى أخرى، فبعد استخدام أمريكا القوى الخشنة او الصلبة فى غزو العراق، أجريت دراسات على مدى شعبية أمريكا لدى الشعوب، فكانت النتيجة أن هبطت الشعبية الامريكية هبوطا حادا فى دول أوروبا، وكان هذا الأمر الغريب أن تهبط شعبية أمريكا بهذا الشكل فى دول قامت بالتأييد والمشاركة فى هذا الغزو، وهذا يدل على عدم نجاح الجيش الأمريكى وحلفائه فى الحرب ما نجح به مخرج بكاميرا أو كاتب بقلم.
الكثير ممن أضافوا على مفهوم القوى الناعمة قاموا بإدراج أن القوى الناعمة الامريكية تكمن أكثر وأكثر فى مشروب الكوكاكولا والبيرجر والأزياء والموسيقى الأمريكية الذى يتبعهم العالم كله.. اتباعاً أعمى.. هذا المفهوم أغضب الرجل الذى صاغ مفهوم القوى الناعمة جوزيف ناى حيث قال إنهم يسفهون مفهوم القوى الناعمة فى حصر قوة أمريكا الناعمة فى انتشار شركاتها وأفلامها حول العالم، ولكن لا أحد ينكر أن الشركات والأفلام وشكل الحياة أكثر انتشارا وتأثيرا فى نفوس البشر من غيرها.
فالكاتب الصحفى والروائى والطبيب والمهندس والعلماء وعلماء الدين والمطربين والمدرسين وأساتذة الجامعات كل هؤلاء مرشحين أن ينضموا إلى حزب القوى الناعمة الذى يسيطر بعقله لا بجسده، ولكن بشرط وحيد وهو أن يفعل شيئا يؤثر فى أسلوب الأخرين ويجعلهم يتبعونه فى الفكر والفعل.
وللحصول على النتائج التى تبغيها الدولة أو الفرد.. يجب أن يدرس جيداً كيف يستخدم تلك القوى حتى لا ينفٌر العالم من بضاعته الذى يقدمها لهم وهذا دائما يعود إلى دراسة المجتمعات والشعوب من خلال علم النفس والاجتماع .
وهذا القياس على الجانب الأمريكى لا يختلف كثيرا عن حال القوة الناعمة المصرية ونقاط ضعفها وقوتها التى يتم مناقشتها المقال القادم إن شاء الله .