كان يردد علينا مقولته الخالدة "لا شىء يهم" يقولها متأففا من كل شىء، الناس والهوام والوضع والمكان، وذلك رغم بؤسه الظاهر، وشيخوخته البادية، لكنه ظل يحتفظ بعقل متقد حاد الذكاء قوى التركيز لدرجة مدهشة لمن فى مثل سنه .
شهدنا له ومعه بقدرته على قراءة الأفكار، والشفاه، وقدرة أكبر على التقاط خيوط أى حديث ولو لم يشارك فيه من بدايته، يكفى أن يستمع قليلا لينطلق مفندا الآراء المختلفة، طاعنا فى كل الرؤى السابقة والمستقرة، طارحا نظرة جديدة للموضوع، والحق رؤيته كانت تسبق الآخرين ولو كانت حالمة أو خيالية أو فرضا مستحيل حدوثها.
نذكر عنه مهارة الدفاع المستميت عن رأيه وتعضيد وجهة نظره بكل ما ملك من أدلة وإن كانت واهية، وهى على العموم مهارة كنّا نحسده عليها كثيرا، ونكرهه من أعماقنا قليلا، وبمرور الوقت اكتشفنا أن مهارته وقدراته هذه وتلك نعمة لنا وليست نقمة علينا، فكنّا نستعين به على الخصوم، نوظّفه جيدا فيدير الحوار ويبدأ الجدل وسرعان ما ينهى القضايا بما يتفق مع رؤانا .
ثم انقلب السحر على الساحر، فبدأنا نتشكك فى آراء الجميع، ثم أصبحنا لا نطمئن لبعضنا البعض، ونسرع إليه فيبعث فينا قلقا مضاعفا، ويتزايد على يديه الشك والريبة، فصرنا لديه أدوات يوظّفها جيدا فيما يبغى ويُضمر .