حينما تتردد لحظة بين الخير والشر.. من تكون..؟! أتكون الإنسان الخير أم الشرير أم ما بينهمـــــــا..؟، إن النفس لا تظهر منزلتها ولا تبدو حقيقتها إلا لحظـــة أن تستقر على اختيار وتمضى فيه باقتناع وعمد وإصرار، وتتمادى فيه وتخلد إليه وتستريح وتجد ذاتها.
ولكن هل وجود الخير فى النفس يلغى الشر والعكس؟، الملاحظ ميل البعض إلى الخير بصورة أكبر مع عدم الغاء الجانب الأخر تماما، والبعض يميل إلى الشر ويظهر الخير فى حالات.. هذا يوصلنا إلى أن الإنسان ميسر له أن يسلك طريق الخير أو الشر والاختيار بينهما.
ولهذا لا تؤخذ على الإنسان أفعال الطفولة أو أفعال المراهقة ولا ما يفعله الإنسان عن مرض أو عن جنون أو عن إكراه.. واختيارات الإنسان فى خواتيم حياته هى أكثر ما يدل عليه، لأنه مع بلوغ الإنسان مرحلة الخواتيم يكون قد تم ترشح وتبلور جميع عناصر شخصيته وتكون قد انتهت ذبذبتها إلى استقرار، وتكون بوصلة الإدارة قد أشارت إلى الطابع السائد لهذه الشخصية، ولهذا أيضا لا تؤخذ النفس بما فعلته وندمت عليه ورجعت عنه، ولا تؤخذ بما تورطت فيه ثم أنكرته واستنكرته، فإن الرجوع عن الفعل ينفى عن العمل أصالته وجوهريته ويدرجه مع العوارض العارضة التى لا ثبات لها.
وقد أعطى الله عز وجل للإنسان مساحة كبيرة هائلة من المنازل والمراتب .. يختار منها علواً وسفلا ما يشاء.. أعطاه معراجاً عجيباً يتحرك فيه صاعداً هابطاً بلا حدود ومتى يبلغ الإنسان هذه المشاكلة والمضاهاة بين حقيقته وفعله فإنه يستقر ويتمادى ويمضى فى اقتناع وإصرار على خيره أو شره حتى يبلغ نهاية أجله .
والناس قد ركزوا مقاييسهم على أن الحياة الدنيا هى الغاية، ولذلك تعبوا وأتعبوا غيرهم، وكل من أخذ الدنيا على أنها غاية أتعبه الله سبحانه وتعالى فيها.
وما الجسد والروح إلا الكون الفسيح الذى تتحرك فيه تلك النفس علواً وهبوطاً بحثاً عن المنزلة التى تشاكلها وتضاهيها والبرج الذى يناسب سكانها فتسكنه. فمنا من يسكن برج (الشهوات) وهو ما زال فى الدنيا، فلا يبرح هذا البرج حتى الممات، فتلك هى النفس التى تشاكل النار فى سرها وهى التى سبق عليها القول والعلم بأنها من أهل النار .
وهذا العلم الربانى ليس علم إلزام ولا علم قهر بل هو علم حصر وإحاطة، فالله بهذا العلم لا يجبر نفساً على شر، ولا ينهى نفساً عن خير، فهو يعلم حقائق هذه الأنفس على ما هى عليه دون تدخل .
وبالمثل لا يستطيع الأبوان بحسن تربيتهما أن يقلبا الحقائق فيخلقا من ابنهما المجرم ابناً صالحاً ولا العكس . فلا إكراه فى الدين .. وأن من شاء أن يكفر فليكفر ومن شاء أن يؤمن فليؤمن .. وأنه لن يقهر نفساً على غير هواها .. وأنه لن يغير من نفس إلا بادرت بالتغير وطلبت التغير . (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، (ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسـه)، (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).