ما هى ثقافة "الفهلوة"؟ وما هى أسباب انتشارها؟ وما مدى تغلغلها فى المجتمع المصرى خاصة؟ وكيف يمكن مكافحتها؟ أساليب ابتكرها المصريون خاصة تحت بند "التوفير" !!
وعلى سبيل الفكاهة، وقبل أن نبدأ، نقرأ سويًا هذه الفقرة التالية:
/ دخل جحا أحد المحال التى تبيع الحلوى والفطائر ،، وطلب من البائع أن يعطيه قطعة من الحلوى..
لم تعجب الحلوى جحا ،، فطلب من البائع أن يستبدلها بقطعة من الفطير..
أخذ جحا قطعة الفطير ،، وانصرف دون أن يدفع ثمنها..
نادى البائع على جحا وقال له: لم تدفع ثمن الفطيرة يا جحا؟!!!
فقال جحا: ولكننى قد أعطيتك قطعة الحلوى بدلًا منها..
فقال البائع: ولكنك لم تدفع ثمن الحلوى أصلًا !!
وقال جحا: وهل أخذت الحلوى وأكلتها حتى أدفع ثمنها؟؟؟!!!
أعزائى القراء، لنتعرف سويًا فى البداية على معنى كلمة "فهلوة" لغويًا، فهى مشتقة ومأخوذة من الفهلوية وهى اللغة الفارسية القديمة، وتستعمل الكلمة بشكل عام للدلالة على عمق الخبرة والمعرفة، فكأن الذى يعلم "اللغة الفهلوية"، هو يعلم أشياء ومهارات لا يجيدها غيره من الناس، فيكون بذلك الفهلوى هو الشخص البارع، الشاطر، القادر، على التكيُّف السريع مع متغيّرات المجتمع، وقد برزت تلك الشخصية فى كتابات نجيب محفوظ الروائية، والسينمائية أيضًا.
يقول د."عاطف العراقى"، أستاذ الفلسفة بكلية آداب القاهرة - أن ثقافة "الفهلوة" هى نوع من الثقافة العشوائية التى توجد للأسف فى العالم العربى وليس فى "مصر" فقط، وأن من مظاهر هذه الثقافة: الإدعاء بالعلم والمعرفة، والتظاهر بأشياء تخالف الحقيقة، وعدم احترام الكلمة سواء المنطوقة أو المكتوبة، مشيرًا إلى أن الثقافة العربية لا يمكن أن تستقيم أو تتقدَّم إلى الأمام ما لم تُنزع منها ثقافة "الفهلوة"، خاصةً فى ظل وجود عدد كبير من الأميين وغير المثقفين الذين يصدقون ما يُقال لهم دون فحص أو تمييز.
ومن أهم أسباب انتشار ثقافة "الفهلوة"، تدنِّى الوضع الإقتصادى لدى الغالبية العظمى من الشعب، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع أسعار جميع السلع حتى الاستهلاكية من مأكل ومشرب، ومحاولاتهم لتوفير احتياجاتهم بأقل تكلفة ممكنة، ومن هنا فقد استغل الشعب ذكاءه وحيلته، لكى يتكيف مع الظروف المحيطة به، كبديل لحالة الغضب أو الصدام، أو المواجهة مع الحكومة التى يحمِّلها عبء تدنى أوضاعه المعيشية على مر العصور..
موروث ثقافة الفهلوة التى تسيطر على كثير من تصرفاتنا، معروف عنا نحن العرب، دائمًا إعتمادهم على الفهلوة، وهو التعبير العامى الدال على غياب التخطيط والتفكير بعيد المدى لتحقيق أكبر المكاسب من خلال الذكاء اللحظى وسرعة البديهة، يلجأ أليها المواطن إلى "تقليب رزقه"، من خلال أى وظيفة أو مهنة وطريقة، من أجل الحصول على قوت يومه، له ولأسرته، سواء بصورة قانونية أو صورة غير قانونية، خوفًا من غدًا لا يعلمه إلا الله..
وإذا أردت نموذجًا معبرًا فاضحًا لتلك الفهلوة، فليس عليك سوى أن تتذكر بعضًا من الأمثلة التالية لتعى حجم الكارثة التى نعيشها، فنحن لا نحجز للسفر إلا فى اللحظة الأخيرة، ولا نرتب أمر سكننا قبل الوصول إلى مقصدنا إلا فى اللحظة الأخيرة، ودائمًا ننتظر حتى الساعات الأخيرة من يوم العمل الأخير قبل الأجازة لنطالب بإنهاء قضايا معقدة، ولا نصدر جوازاتنا إلا قبل السفر بيوم أو فى نفس يوم السفر، هذا كله معتمدين فيه على مبدأ الفهلوة..
ناهيك عن استغلال البعض لشوارع الدولة وجعلها ملكية خاصة كجراجات خاصه بهم، أو ما يسمى بـ "منادى السيارات" الذى لا تراه إلا مرتين فقط، عندما تبدأ بركن سيارتك، والثانية عندما تهم بالإقلاع، فعندما تجد مساحة لركن سيارتك فجأة ودون سابق إنذار تجد من يخرج لك من تحت الأرض ويقول لك " تعالي، أرجع، شمال شوية، يمين شوية"، نورت يا باشا، وتجد الفهلوى أيضا فى جميع المصالح الحكومية، وفى المحاكم، وإدارات المرور، فيعرض عليك خدماته وتسهيل كل شىء مقابل المال طبعًا.. مرورًا بأن تجد أحدهم يقوم بسرقة مصابيح الإضاءة من أعمدة النور، ومربعات الإعلانات الموضوعة على جانبى الرصيف فى الشوارع، أو مثيلتها من كابلات مترو الأنفاق، وسرقة أغطية البالوعات وصناديق الكهرباء من الشوارع، بل بلغ الأمر إلى سرقة كبائن التليفونات من أمام السنترالات، وسرقة صناديق القمامة من أمام ناصية الشوارع.
وكما أن هناك فهلوة من طراز الموظف البسيط، هناك أيضًا فهلوة خاصة بكبار الموظفين والمسئولين، لنجد فهلوة فى تقفيل الميزانيات، وخداع الضرائب، والضحك على الموظفين الصغار والمواطنين، واللعب بأحلامهم وأمانيهم..
حتى إنه يتقدم أحدهم بطلب قرض من أحدى البنوك، وهو يعلم إنه قرض واجب السداد، ثم يبدأ فى المماطلة وإستخدام ثقافة الفهلوة التى تنتهى فى أغلب الأحيان نهاية مؤلمة فى غير صالحه.. وتمتد العشوائية فى ثقافة الفهلوة إلى المسؤولين وأصحاب القرار، وعلى سبيل المثال:
ننظر إلى أوتوبيسات هيئة النقل العام والتي تحولت إلى ميكروباصات، فنجد الكمسارى يقف على الباب ينادى بعلو صوته على الزبائن وكأنه تباع على ميكروباص، مرورًا بالعشوائية فى تطبيق نظام الصعود والنزول، والالتزام بالمحطات الرسمية، والوقوف فى حرم الطريق وليس فى وسط نهر الشارع، دون أدنى إحترام للقانون أو للآخرين.
ومن ثما نذهب إلى ثقافة الفهلوة فى طريق مختلف وهو "تجديد الخطاب الديني"، فإن أهم الحلقات المفقودة فى عملية تجديد الخطاب هو "الإمام" نفسه، فالإمام ليس مؤهلاً لتجديد الخطاب الديني، وتحمل هذه المسئولية الكبيرة، ولأن ثقافة معظم أئمة الأوقاف سطحية، وغير مُتعمقة فى العلوم الشرعية.
الخطاب الدينى ليس مجرد تصريحات أو بيانات تخرج من الهيئات المختصة، لا تساوى ماء الحبر الذى كتبت به، بل يجب تطوير العملية التعليمية الدينية، وتنحى متصدرو المشهد فى المؤسسات الدينية الذين يمتلكون ثقافة "الفهلوة".
ومع ذلك علماء الإجتماع، وعلماء النفس، اختلفوا فى تحديد مخاطر الفهلوة، والتى تتجلى أغلب أنشطتها فى السرقة والنهب والخطف، البعض منهم رأى أنه سلوك طارئ على المجتمع المصري، أو إضطراري، يفعله البعض فى البداية رغماً عنه، لقضاء المصالح ثم مع الوقت، حين يتوفر الإشباع الكافى، سيختفى تدريجيًا، وآخرون يرون أنه صار مرضًا مزمنًا يحتاج لعلاج ناجح، إذ هو دليل صارخ على غياب أى شعور بالإنتماء أو الحب لهذا البلد، أو أى رغبة فى حماية ممتلكاته العامة والمحافظة عليها، بل اعتبار سرقتها أمرا طبيعيا لا غبار عليه !!!
إن الالتزام بالنظام أمر حتمى لانتظام الحياة، بل إنه دليل على الرقى، وبالتالى فإن مخالفة الأنظمة والقوانين يجب ألا تمر بدون حساب مهما كان المبرر.
وعليه فإن المجتمع يحتاج إلى تضافر جميع المؤسسات التعليمية، والإعلامية، والدينية، والتربوية، وغيرهم، يعملون كفريق عمل له إستراتيجية محدَّدة تهدف إلى إحداث تغيير فى نمط الثقافة السائدة خلال مدى زمنى طويل، والذى يجب مواجهته عن طريق وضع فوانيين دقيقة وصارمة، إلى جانب وجود جهات رقابية من قبل الدولة لمتابعة تنفيذ هذه القوانين، ووجود الضمير الإنسانى الذى يحاسب صاحبه على أى مخلفات يرتكبها.