تعلمنا أن جهود مكافحة انتشار مرض - أى مرض - لابد أن تنقسم إلى ثلاث أطر هى : الوقاية والعلاج والمتابعة البعدية .
وفى رسالته بمناسبة اليوم العالمى للسرطان، قال السيد بان كى الأمين العام السابق للأمم المتحدة : "من واجبنا مضاعفة الجهود لوضع حد للمآسى الكثيرة التى تحدث بسبب السرطان، فإن نحو الثلث من أنواع السرطان يمكن الوقاية منها، بينما أنواعه الأخرى يمكن الشفاء منها إن هى شُخصت وعولجت مبكرا، وحتى حينما يكون السرطان فى مرحلة متقدمة، ينبغى للمرضى أن يستفيدوا من الرعاية الملطِّفة. "
أشار بان كى مون إلى امكانية جزئية للوقاية من مرض السرطان تمثل تقريبا ثلث الأنواع المنتشرة، والوقاية هى الإجراءات الطبية الاحتياطية والاحترازية التى تهدف إلى الحد من انتشار مرض ما عن طريق الحد من الأسباب والعوامل التى تساعد على ظهور وانتشار هذا المرض، والكشف المبكر قبل أن تظهر الأعراض .
فالتدخل الفاعل من شأنه أن يوقف تقدم وانتشار الأمراض للوقاية منها وعلاجها . فإذا علمنا أنه ليست هناك – حتى الآن - طرقا حاسمة ومؤكدة علميا للوقاية من كل أنواع السرطان ؛ إلا أنه من المؤكد وجود سبل ما تؤدى إلى التقليل من خطر الإصابة بالمرض .
تشير مؤشرات منظمة الصحة العالمية إلى أنه على مستوى العالم تم اكتشاف 14 مليون حالة جديدة مصابة بالسرطان فى سنة 2012 وحدها، وتتوقع المنظمة العالمية ارتفاع معدلات الإصابة بنسب مفزعة . وتشدد المنظمة على أهمية توافر البيانات العلمية لدفع عجلة رسم سياسات مكافحة السرطان .
فى مصر تشير أحدث الدراسات إلى إصابة أكثر من 12% من النساء بسرطان الثدى، وبحسبة بسيطة لتحويل النسبة المئوية إلى عدد صحيح، نجد إصابة أكثر من 5 مليون سيدة مصرية بهذا النوع، ولو فكرنا فى نسب بقية الانواع المعروفة وحولناها إلى ارقام، ووضعنا هذه الارقام بجوار توقع المؤسسة الدولية لابحاث السرطان بزيادة نسب انتشار المرض على مستوى العالم، سنقف امام حقيقة صادمة يؤكدها الكثير من الاطباء والباحثين فى هذا المجال مفادها، كل المصريين معرضين لخطر الاصابة بهذه الأمراض، وان السبب الذى يحول دون اصابة شخص ما بالمرض هو زيادة قدراته المناعية فحسب .
فى هذا الصدد، بذلت وتبذل جهود شعبية جبارة لإقامة العديد من المستشفيات والمراكز البحثية المتخصصة فى مكافحة السرطان مثل مستشفى 57357 و 333 ومؤسسة بهية وغيرها، وإن كانت كل هذه المستشفيات بل اضعافها سوف تعجز حتى عن استيعاب الاعداد المتزايدة وليس علاجها فحسب، ما لم نقم بالتخلص من مسببات السرطان المتغلغلة بقوة فى كل تفاصيل حياتنا اليومية مثل تلوث الغذاء المتمثل فى استخدام بذور ومبيدات مسرطنة واستخدام مياه الصرف الصحى فى الرى والتوسع فى زراعة الخضر والفاكهة الهجين واستخدام أعلاف حيوانية فاسدة وتلوث المزارع السمكية وانتشار منتجات البان ولحوم مصنعة فاسدة وإنتاج مأكولات معلبة ومغلفة غير مطابقة للاشتراطات الصحية، وتلوث مياة الشرب، وتلوث الهواء بعوادم السيارات والمصانع، الا انها جهود محمودة تذكر وتشكر نتشرف بنتائجها فى بلادنا .
اذا تكفلت الايادى الطاهرة والقلوب العامرة بجزء من الجانب العلاجى، يبقى استكمال منظومة العلاج حتى نصل إلى توفره لكل مريض وان كانت مسألة صعبة لانها تنطوى على ضرورة ايجاد سرير فى مكان متخصص وتقديم العلاج الفعال وليس الانواع الاقل سعرا وفاعلية وتوافر الاجهزة الطبية والعلمية والمعملية الا انها ليست مستحيلة، ويبقى ايضا الجانب الوقائى الذى لا يقل اهمية عن العلاج المتمثل فى برامج التوعية بالمرض وخطورته وانتشاره واعراضه واسبابه وسبل الوقاية منه وطرق الكشف المبكر عن اورامه .
فى هذا الصدد، اشرنا لمنظمة الصحة العالمية والمؤسسة الدولية لابحاث السرطان ونماذج لمستشفيات علاج ومكافحة مرض السرطان فى مصر والتى انشئت وتنشأ بالجهود الذاتية والتبرعات، ولم اذكر -متعمدا- وزارة الصحة المصرية لانها كيان هلامى لا وجود له على ارض الواقع، فعند ذكر كل هذه الحقائق والارقام والنسب المرعبة تتضاءل بل وتختفى مثل هذه الخيالات، لم اذكرها طالما لا تهتم بصحة المواطن، لن نذكرها جميعا ولن نعترف بوجودها الا اذا شعرنا بحركتها تجاه صحتنا .
وفى النهاية لا يسعنا الا الدعاء بالشفاء العاجل لكل مريض اختبر بهذا الاختبار، وإذ نؤكد على اتساع رحمة الله ولطفه، لذا يحدونا الامل دوما فى شفاء احبائنا شفاءا عاجلا وتاما .