إن الأمن والاستقرار من أحق الحق، وهما الخط القويم والطريق المأنوس المطروق! فلولا الاستقرار ما استمرت البشرية، والقول بضرورة تغيير الأوضاع بالتأليب وإثارة المشاعر دوماً وباستمرار فى كل وقت هو قول هزل، بل هو غثاء كغثاء الأشجار الذى لا يمنع ولا يدفع، ولا يصلح لشىء إلا أن يكون وقودًا للنار .. وهو وقود هزيل !
ونتائج الأمن والاستقرار هى أمور يتابعها الحس فى بُهر! بل هو واقع حـى يعاطفنا ونعاطفه، وهو أمر يتجلى للحواس والقلب والعقل فى بهاء أخّاذ، وهو شىء لا يمكن إنكاره فى هذا الكون الزاخر الممتد الواضح.
ويختلف المصرى الأصيل عن المحرض على كُره الدولة والشماتة فيها، فهم لا يلتقيان فى تصور، ولا يتفقان فى أساس ولا يتوافقان فى نتيجة.. إن كلاً منهما يقوم على تصور للحياة والأهداف والغايات يناقض الآخر تمام المناقضة .
أيها الداعون للانتفاض والثورة، نجدكم تتحدثون عن خطورة الفرقة والاختلاف وأنتم أصله، وتتحدثون عن ذم الانقسام وأنتم أهله، وتتحدثون عن خطورة الظلم وأنتم حاملون رايته، وتتحدثون عن ضرورة الخروج على الحكام عند كل أزمة اقتصادية، وأنتم قد خرجتم على إجماع العقلاء فهل رأيتم تناقض أكبر من هذا؟!..
إن نفوسكم تتهافت إلى إثارة المشاعر كما يتهافت الذباب على الحلوى ويتهاوى! وهو بلا شك تصرف بشع، ينضح بالكنود والجحود، ويتسم بالغلظة والحماقة، بل هو الهذر الذى يقتل الوقت دون أن يضيف إلى القلب أو العقل زادًا جديدًا، ولا معرفة مفيدة، وهو البذئ من القول الذى يفسد الحس واللسان .
أيها المحرضون على ثورة الجياع، ألا تعلمون أنكم أنتم جوعى الفكر والعقل، ولا تجيدون إلا التلصص فِى ليل الجهل الذى إذا طلع عَلَيْهِ صبح العلم افتضح، فأصبحتم كالشَّيْطَان الذى يخلط بالبيان شبهاً، وبالدواء سماً، وبالسبيل الواضح سراباً مضللاً .
وينادى كثير من العقلاء بثورة حقيقية فى الإنتاج والعمل، بل أرى أن الأهم والأفيد أن نبدأ بثورة ترشيد للاستهلاك، فهى أسهل لشعب أغلبه يميل للكسل وعدم العمل والتبذير والإسراف، شعب ينفق كثيراً من أمواله وأوقاته فى التفاهة على مواقع التواصل الاجتماعى من "اللت والعجن"، شعب لم يُجرّب أغلبه الاعتماد على صنف واحد من الطعام أو صنفين فى وجبته الغذائية، بل تعوّد على التنويع، شعب أغلب حرفييه وعماله تركوا صنعتهم بالورش والمطاعم ليكونوا من سائقى التكاتك طمعاً فى الأجر السهل، شعب أغلب مطاعمه وفنادقه تجهّز أطعمة زائدة عن الحد وترميها آخر اليوم فى صناديق القمامة وهى صالحة! بدعوى عدم صلاحية بقائها لليوم التالى، شعب بعضه يريد الدعم برغم عجز موازنته العامة بأكثر من 300 مليار جنيه، شعب لا يعبأ بالإجراءات التى تتخذ ضد أغنيائه بتحديد حد أقصى للأجور، وبحذف من لا يستحق الدعم من الأغنياء، شعب بعضه ناقض عهده مع رئيسه بأن يتحمل الجميع الظروف الاقتصادية الصعبة.
لماذا تتجاهلون أن أفضل ما يميّز القيادة السياسية الآن التعامل مع العالم الخارجى بعزة وكرامة، وكذلك تفاعلها مع أحداث الوطن والتعايش معها، فلا نرى تعالى وغرور أو انفصال عن الواقع، فهذا أكثر ما يحتاجه الناس، فهم فى حاجة إلى كنف رحيم، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم..
فلم نر تزاوجا بين المال والسياسة.
ولم نر تواجدا لأى شكل من أشكال الأسر الحاكمة أو بوادر للتوريث.
ولا نرى أو نشعر بأى تستر على الفساد، وكذلك لا نرى أى تهميش لدور الشباب بل بدأ تدريبهم ليتولوا القيادة فى المستقبل.
حفظ الله مصر وشعبها ورئيسها وعلمائها.