سيظلُ الحبُ هو اللغةُ التى لا تُحتَكَر والفطرةُ التى لا تُنكَر والمنحةُ العظمى التى لا توجَه، فالحبُ هو قدرٌ محتوم ووقته غيرُ محددٍ ولا معلوم، فهو لا يعرفُ الفوارق ولا يعرف الحدود والقيود ومهما اختلف المقاماتُ وتعددت السدود ومهما حاولت إنكارَه فهو الراسخُ الممتزجُ بالقلبِ والكيان، ويبقى الحبُ الصامتُ أقسى أنواع الحبِ على المحبين.
فرغم أن الحبَ لا يعترفُ بالقيود إلا أنه قد يُولَدُ بين الحبيبين صامتاً ويظلُ عذاباً لا غنى عنه ومصيراً مبهماً لا مفرَ منه، فربما كانت هناك من العوائق والسدود الاجتماعية أو المادية أو غيرهما من الفوارق ما يكون حائلاً للوصولِ إلى هذا الارتباط المقدس بين رجُلٍ وامرأةٍ بعينهما، فقد يجدُ الرجلُ قلبَه معلقٌ بامرأةٍ فى غير مستواه الاجتماعى وقد يكون العكس صحيحاً ولكن الأمرَ مادام فى حدودِ مراقبة الله فلن يتجاوز أحدُهما فى سلوكياتِه وتصرفاته تجاه الآخر، بل لا يجدُ من نفسِه جرأة على أن يبوح للآخر بما فى قلبِه، فيعبرُ عن هذا الحبِ الحبيسِ بين أضلاعه بقلمه وبطريقته الخاصة، فهما يتناقشان ويتحدثان دون نطق بيِّنٍ وإنما هى الأرواح تتلاقى والعيون تتناقش كلُ هذا فى دائرةٍ مغلقةٍ وفى صمتٍ رهيبٍ لا صوت له يصل إلى آذان الآخرين حفاظاً على الفضيلةِ واحتراماً للطرف الآخر، تلك القصيدةُ دعوةٌ إلى ما يجبُ أن يكون عليه الأمرُ عندما تقوى السدود وتزدادُ الحواجز وتشتدُ القيود دون انحدارٍ إلى سلوكٍ مُشينِ أو وصفٍ مهين، وهنا فى هذه القصيدة أعرض حال َمحبٍ زاد به الشوقُ والحبُ وهو يعلم أن حبيبته تحبه لكنهما لا يستطيعان البوحَ بهذا الحبَ لظروفٍ مبهمةٍ بين الحبيبين، فهو يحكى قصتَهما فى سترٍ عن العيون وفى بعدٍ عن الآذان، بل ويكتبُ شعره على الماء حتى لا يلاحِظُه احدٌ ويناجى الأشجار والقمرَ و الشمسَ ويحاورُهم بل ويشهِدُهم على حبه وشوقه، إلى هذا الحد ملئ العشقُ كيانه وهو مازال مُصِراً أن يحبها فى صمتٍ وهو يطالِبُها أن تصدرَ الحكم َ النهائى مهما كانت الاسباب فمادامَ كلاهما محبٌ مغرَمٌ فلما يلتزمان الصمت المشقى و لما هذا الهجرُ المميت.
إن الهدف الرئيسى من هذه القصيدة هو تصديرُ القدرة ِ على صياغة المشاعر النبيلة للحبِ العفيف الذى لا تَصَنُّعَ فيه ولا تكلفْ فى ثوبٍ يحفظُ للمرأةِ عفتَها وكيانَها ولا يمس بحالٍ من الأحول كرامةَ الرجل، فإن حِفظَ طرفى العلاقةِ الطاهرةِ المقدسةِ ألا وهى الحبِ العفيف لابد وأن يكون هو الشغلُ الشاغلُ للرجلِ والمرأة على حدٍ سواء، فلو التزمنا هذا الأداءَ الراقى فى التعبيرِ عن الحبِ وفى تقديسِ علاقةِ الحبِ فى قالبٍ محترمٍ لا يتجاوز الحدود ولا يتعدى المبادئ والأخلاقِ، لتغيرتْ ملامحُ المجتمعِ الذى نحياه تغيُراً جذرياً من حيثُ اختفاء كثيرٍ من المظاهرِ التى تدلُ على التدنى الأخلاقى فى نفوس بعضِ الشباب وذلكَ لأنهم لا يعرفون عن الحبِ سوى الجانبِ الجنسى فقط ولا يعرفون عن الجانبِ العاطفى الروحى شيئا، إننا نستطيع وبدون تجنى أو افتراء أن نرجع كل ظواهر التحرش والتدنى الأخلاقى لبعض الشباب بمجتمعاتنا إلى عدم القدرة على صياغة المشاعر وإلى إهمال تنمية الجانب الروحى العفيف للحب والذى يحضُ عليه الدينُ والعرفُ والمجتمع .
إليكم القصيدة :.
أُحبُكِ صمتاً
من غيرِ أصوات ٍ
ولا أقوالٍ
ولا آراءَ أُبديها
أُحبُك بين دفاترى
شوقاً
وفى الأوراقِ أسرارى
أدونُها
وأُرسيها
أبيتُ الليلَ فى شوقى
ويعلمُ قصتى قلمى
وفرشاتى تجسدُها
على الجدرانِ
تحكيها
أحبك جهراً بين أضلاعى
وفى أوراقى
قصتُنا
أُسطِّرُها
وأُخفيها
رأيت البحرَ فى عينيك
يا عمرى
فتاه القلب فى بحرٍ
بلا شطآن
يأتيها
متى تعرفين
أنى غارقٌ
فى بحرِ عينَيك
متى أرسو ببرٍ
فى
نواحيها
أعينٌ تلك يا عمرى
بلون البحرِ زُرقَتُها
وكأسُ الخمرِ نظرَتُها
وذاك الموجُ فى العينبن
يُحلِيها
تغالبنى فأنظُرُها
فتهربُ من عينى
عيناك
فوا خجلاً
يذيبُ الدمعَ فى عَينَى
يُشقِيهَا
هى الأمواجُ فى عينيِك هائجةٌ
هى الأنواءُ فى عينيك
ثائرة ٌ
كأن العينَ
تحكى لى
بصدقٍ كلَ ما فيها
أنا من غيرِ أن أنطق
ولغة ُ العينِ تكفينى
أراسلُها وإن أصمتْ
فقولُ العينِ يكفيها
فذاك الحبُ فى عينيك أنظرُه
وذاك الحزنُ فى العينين مرساه
وتلك طلاسمُ العينين
فى الوديانِ يا عمرى
تُواريها
كفى سِحراً من العينين
تسكبُه
فذاك القلبُ قد أفضى
بثَورتِه
كأن القلبَ فى صدرى
يناديها
يعاتبُها ويعلنُ
أنه حبٌ فلا للبعدِ
كأن النبضَ فى قلبى
يقاضيها
فلا أعذارَ تُرضيه
ولا وعدٌ يهدِّأُه
ولن يرضى سوى قربٍ
يُرِيحُ الروحَ يُسعدُها
ويُرضيها
رُويدُك يا عشقى وملهمتى
أما أن
لروحى أن ترسو
فى مراسِيها
لغاتُ الكونِ قاصرةٌ
وأبلغُ من قولى
عيونٌ تحكى
مآسيها
سألتُك يا عينَيها
ترحمنى نواظرُها
فنفسى تهفو لعينيها
وتهفو حباً
فى تلاقِيها
فلا دنيا بها أمنى
ولا تحلو
حياتى
بغيرك
لستُ أَبغِيها
فيا قلبى رُويدَك
رفقاً بذى عشقٍ
فكم للنفسِ
من آهٍ
تقاسيها
سأَرسمُ فوقَ الماءِ أشعارى
وأحكى للندى حُبى
ويشهدُ فى الدجى قمرٌ
فأنت مسكنى أبداً
وأنت كلُ أوطانى
فأنت الشمسُ أن طلعت
وأنت الماءُ فى عطشى
وأنت فرحتى أبداً
وأنت لبُ أحزانى
ملكتى القلب
يعشَقُكِ
فبات القلبُ
جلادى وسجانى
شعرتُ النارُ فى صدرى
فأين الماءَ قاتلتى
وأين زوالُ
نيرانى
أبيت الليلَ أَذكرُكِ
وأصمت ُ فى معاناتى
وأرسمُك
بوجدانى
وآهى لو تعرفى
قدرَ الحبِ فى قلبى
وكم أهواكِ فى صمتى
سلى عودى وألحانى
لو كان مهرُكَ
كنوزَ الأرضِ أُحضرُها
وما فى البحرِ
من شُعبٍ ومرجانِ
سلى عصافيرَ الصباحِ
والشمسُ فى الاشراقِ
تُخبرُكِ
سلى أشجاراً أُحدثها
فتخبرُكِ بحرمانى
متى تعرفين أنى عاشقٌ
وأذوبُ شوقاً
متى تدرين عن
قرحى وأحزانى
فأنت النارُ
فى الهجرانِ تقتلنى
وأنت رفيقتى
فى بحر أشجانى
وأنت البلسمُ الشافى
وأنت الدفءُ فى بردى
وانت خَمْدُ بركانى
وأنت قصتى أبداً
وأنت حكايتى أنت
فذاك كتابُ قصتنا
به اسمى
وعنوانى
كتبتُ قصائدى شوقاً
فتلك قصائدى
وذاك الشعرُ
ديوانى
فبتُ، الشوقُ فى صدرى
وبات الحبُ فى قلبى
وهز الوجدُ أركانى
فقربك فرحتى دوماً
ولو بالصمتِ يكفينى
وبعدُك
كلُ أحزانى
فتلكَ قضيتى
فاصدرى حكماً
عجبتُ
لحاكمٍ
هو الجانى
وأقسم حبيبتى أنك القاضى
وأقسم أنك الجانى