أردت أن أتنسم هواءً نقيا فصعدت لسطح بناية عالية تقع على أطراف المدينة، مهجورة إلاّ من قلّة من البشر، وقفت بأعلى نقطة بها وفردت ذراعى على امتدادهما مغمض العينين مستسلما لنسمة هواء باردة كانت تطوف المكان بميوعة.
فتحت عينى على صخب يأتى من أسفل ونظرت فوجدت مشاجرة كبيرة والناس تتوافد زرافات من كل اتجاه للمشاهدة أو المشاركة، وصارت معركة كبيرة بين القوم وقد رأيت كل شيء، ترددت برهة وقررت النزول لحسم الأمور بين الناس .
صحت بهم مخاطبا: قد رأيت كل شيء من أعلى وأدرى من المخطئ وأدرك تداعيات الخطأ وتراكماته. وحكيت لهم ما رأيت وما أدركته حواسى وأقسمت لهم على ذلك.
قالوا: لا نصدّقك ولا نرى إلاّ ما نعرف وتصاعدت صيحاتهم مرة أخرى لعنان السماء، كُلّ يقسم بصدق روايته وصحة معتقده، فوبّخت نفسى على نزولى وتعكّر صفو بالى فأردت الرجوع من حيث أتيت فإذا البناية العظيمة قد تحولت لأرض خلاء على امتداد البصر .