عمرو النحاس يكتب: ممنوع الدخول

يحكى أن شابا كان يعمل حطابا لدى أحد تجار الأخشاب. يأتى الشاب للعمل صباحاً وينتظر حتى وصول التاجر لوكالته، يجلس الشاب مفترشاً الأرض لساعة أو اثنتين، وفور وصول التاجر يهرع إليه لاستلام مفاتيح "الوكالة" والبدء فى إزالة قفل تلو الآخر وإزاحة الأبواب الحديدية تمهيداً لفتح الوكالة . فى تلك الأثناء، لم يكف صاحب الوكالة كعادته عن التذمر ملقيا باللوم على الشاب فى كل شىء، بدءاً من التأخير فى فتح الوكالة ومرورا بقلة الزبائن والإيرادات بل ووصولاً إلى كساد تجارة الخشب آن ذاك. يصاحب ذلك إلقاؤه وابلا من الإهانات الصباحية معبِراً فى كافة أشكالها عن قلة حيلة الشاب وتعليمه وفقره المدقع، ومنتهياً بفرمان جديد تمثل اليوم فى قيام الشاب بالبحث عن غابة جديدة لقطع بعض الأشجار منها وعدم العودة "أبداً" دون ملء عربة يجرها "حمار" بكل ما يستطيع أن يحمله الثلاثة معاً "الشاب والحمار والعربة" من أخشاب. وبعد مقطع قصير من الوعيد والتهديد من صاحب الوكالة، رحل الشاب متناسياً كل هذه الإهانات برفقة الحمار والعربة وبرغبة دفينة ربما للثلاثة معاً آملين فى عدم العودة مجدداً لهذا الجحيم إن أمكن. ساعات مضت والشاب مازال يبحث عن غابة أو أى تجمع لأشجار تشبع طمع ذلك التاجر وتلبى حاجاته، إلى أن وصل أخيراً وبعد عناء لغابة بعيدة مجهولة يراها لأول مرة فى حياته. يحيط بالغابة سياج مرتفع ظل الشاب يدور حوله إلى أن رأى من بعيد كوخاً صغير ظن بالقطع أنه الباب أو مدخل هذه الغابة. تحرك الشاب بالعربة والحمار وفور وصوله للكوخ وجد أمامه رجل مسن بدا من ملابسه أنه حارس على هذا المكان. قابله الرجل بابتسامة مبهمة وأخبره أنه كان بانتظاره من زمن بعيد وقبل أن يكمل الشاب جملته الأولى، أخبره المسن بأنه مسموح له الدخول وحمل كل ما يستطيع من أخشاب دون أى مقابل. هنا غمرت الفرحة وجه الشاب ومسرعاً إلى العربة محاولاً الدخول بها والبدء فى أتمام مهمته التى جاء من أجلها. وفجأة، سارع إليه الحارس العجوز قائلاً له أن المهمة لن تتم سوى بشرط واحد فقط وهو أن يبقى الحمار فى الخارج ومشيراً بيديه للوحة كبيرة علقت أعلى مدخل "غابة الأشجار" كتب عليها تحذير بالخط العريض مفاده "ممنوع دخول الحمير". تعجب الشاب كثيراً لهذا الطلب الغريب، ولكن استجاب لطلب الحارس فى النهاية رغبة منه فى إنهاء مهمته وخوفاً من التأخير ومزيد من العقاب والإهانة التى قد تنتظره من التاجر حين عودته. ربط الشاب الحمار بجوار كوخ الحارس وأخذ بالعربة يجرها إلى داخل الغابة ومسرعاً شرع فى قطع بعض الأشجار وتحميلها على العربة وفور الانتهاء ورد إلى قلبه المزيد من الشك عن سبب ترك الحمار بالخارج، وخاطرة ملحة بأن السبب ربما يكون مكيدة من بعض اللصوص لسرقة الحمار، وربما أن الحارس هو نفسه لص "الحمير". ممسكاً بالعربة هرع الشاب إلى الخروج وصولاً لباب الغابة، فوجد ما أثار دهشته أكثر من ذى قبل! فالحمار لا يزال فى مكانه بل وقد أحضر له الحارس بعض الماء والعشب. ربط الشاب العربة بالحمار مجدداً وقبل أن يرحل توجه إلى الحارس وطلب منه معرفة سبب ذلك "الشرط الغريب" ولماذا لا يسمح بدخول الحمير لتلك الغابة؟ أجابه الحارس بأن السبب يرجع إلى قصة قديمة. فهذه الغابة فى بدايتها لم يكن يسكنها سوى أسد وثعلب، وفى أحد الأيام شاهد الاثنين حماراً يمشى خارج الغابة وتساءلا، كيف يمكن استدراجه للداخل دون أن يهرب أو حتى أن يقاوم. هنا، لاحت فكرة برأس الثعلب الماكر مفادها أن يخرج للحمار ويحاول إقناعه بأن الأسد يرغب فى لقائه وبأن الأخير قد قرر التنازل عن ملكه ولم يجد أجدر من الحمار ليحكم هذه الغابة. وافق الأسد وفور وصول الحمار إلى عرينه انقض عليه محاولا التهامه مما أدى لقطع أحدى أذن الحمار والذى تمكن من الفرار بأعجوبة. ومكرراً المحاولة عاد الثعلب لإقناع الحمار ثانية ومرجعاً ما حدث إلى أن الأسد كان يرغب فى نزع أذن الحمار حتى يتناسب "تاج ملك الغابة" مع شكل رأسه. وعاد الحمار لعرين الأسد مجدداً ليهجم الأسد عليه مرة ثانية أدت إلى قطع ذيله ولكن وبعد عناء تمكن من الهرب إلى خارج الغابة، وفى محاولة أخيرة خرج إليه الثعلب محاولاً إقناعه بالعودة مرة أخرى ومبرراً ما حدث فى رغبة الأسد فى نزع ذيل الحمار والذى لا يصح شكله مع منصب "ملك الغابة" الجديد. استجاب الحمار كالعادة وفى زيارته الأخيرة لعرين الأسد أنقض عليه الأخير ممزقاً رقبته على أن يترك مهمة تقطيع اللحم للثعلب وموصياً إياه بأن يحضر له "مخ" الحمار لما يعرف من طيب طعمه! عاد الثعلب بعد أن تناول نصيبه من الوجبة بما فيها "مخ" الحمار وحين سأله الأسد عنه أجابه الثعلب بمكره المعتاد "يا ملك الغابة لو كان الحمار يملك عقلاً ما كان قد عاد فى كل مرة رغم ما حدث له"، وأقتنع الأسد بالرواية. مندهشاً لما قاله الحارس، وقف الشاب يطلب مزيداً من الشرح فالقصة برمتها لم تفهمه شيئاً. فأكمل الحارس: يا بنى هناك أناس قد يهينوك ويجرحونك وفى كل مرة تعود إليهم لن تجد سوى المزيد من المتاعب. تنهد الشاب بعد أن فهم مغزى القصة كلها، ومسرعاً بعربة الأخشاب عاد فى طريقه حتى وصل فى المساء إلى وكالة التاجر، فترك عربة الأخشاب أمام الوكالة ومعها رسالة قصيرة كتب بها: كنت أرغب سيدى بالاستمرار فى العمل لديك، لكن حمارك قال لى "ممنوع الدخول".



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;