د. سامى عمار يكتب: النظام العالمى الجديد ومأزق الصين

ميلاد.. شباب.. وفاة.. دورة حياة الدولة ، ففي ريعان الشباب يولد طموح وجموح لإحكام قبضتها على أطراف الأرض مثل الامبراطورية البريطانية التي لم تغب عنها الشمس. أحادي أم ثنائي أم متعدد الأقطاب.. تساؤل بات ذات قيمة اليوم مع تدافع الأخبار عن الصعود الصيني للقطبية، هذا الصعود سيغير بلا شك هيكل النظام الدولي خلال العقود القادمة ليصبح ثنائي القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لتنتهي الهيمنة الحصرية الأمريكية على العالم التي بدأت بتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 بدون إطلاق رصاصة واحدة. فمؤشرات نمو الاقتصاد الصيني تؤكد بالطبع تحول هذا البلد لقوة عظمى تناطح أمريكا، لكن هناك الكثير من الأمور التي لابد من حسمها أولاً للجزم بأن الصين تحولت لقوة عظمى، فالقوة الاقتصادية تمثل العمود الفقري للصعود لكن وحدها لا تكفي. لكي تصبح قطب عالمي، لابد من ممارسة سلوك سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي خارج حدود منطقتها الاقليمية، وهذا ما يميز القوة العظمي عن الكبرى ، فالقوة الكبرى تلعب دوراً في محيطها الإقليمي فقط مثل الهند بجنوب آسيا والبرازيل بأمريكا الجنوبية وايران وتركيا بالشرق الأوسط، فهذه البلدان لا يمكنها لعب دور خارج إقليمها فالهند مثلاً لا يمكنها التدخل العسكري في حرب بأفريقيا أو أمريكا الجنوبية . وعلى الرغم من ابداء آلاف الساسة الأمل في مجموعة العشرين وغيرها من التكتلات الاقتصادية مثل مجموعة البريكس كقوى عظمى مرشحة تدفع النظام الدولي نحو التعددية القطبية لتصبح الهند والبرازيل والمكسيك من أسياد العالم بعد الصين طبعاً، إلا أن تلك البلدان لا تملك شروط الترشح لمنصب القطب الدولي مثل الصين . وبجوار الإقتصاد ، وللمقارنة ، أمريكا تملك قوة ناعمة مثل نموذج سياسي مقبول عالمياً بل يعتبره البعض ذهبياً لأنه قائم على الديموقراطية واحترام حقوق الانسان والحرية وهي قيم تمس طبيعة الإنسان أينما ووقتما عاش على الأرض، لكن الصين تملك نظام شيوعي شمولي يصعب جداً الترويج له بأبعاده السياسية والاجتماعية، ولا تملك الصين ثقافة قوية يمكن الترويج لها عالمياً، وللثقافة مؤشرات عديدة منها اللغة والسينما، فعدد المتحدثين بالصينية في العالم يصل لـ 0.01% إذا طبعاً استبعدنا الشعب الصيني البالغ عدده 1.3 مليار، في حين يصل متحدثي الانجليزية نحو 9.3%. من إجمالي سكان الأرض. وعلى الرغم من انفاق الصين مبالغ طائلة منذ عقدين لنشر لغتها في العلم النامي لاسيما في أفريقيا عبر تشييد معاهد كونفشيوس كرأس حربة وتمهيد للمكون الثقافي في القوة العظمى الصينية بالمستقبل القريب، إلا أن تلك الجهود لم تؤتي ثمارها خاصة في أفريقيا وذلك لعدم جاذبية النموذج الصيني أو بالأحرى (الحلم الصيني) لشعوب العالم النامي. ففي عام 2016 نشرت وكالة الأخبار سي إن إن مقالة بعنوان (الأفارقة يتخلون عن الحلم الصيني) مؤكدة على أن الصين لا تمثل حلماً بالنسبة لهم، فتعلم اللغة الصينية يستهلك جهداً ووقتاً كبيراً ولا يحمل جدوى مادية تستحق عناء تعلمها سواء في فرص الأكاديميا أو في سوق العمل الدولي، على عكس الانجليزية سلسة التعلم عالمية الانتشار. وبجوار اللغة، لا تملك الصين سينما قوية ولا صحافة محايدة مؤثرة ، وإذا قورنت بجارتها الهندية ، فسنجد بوليوود أكثر انتشاراً وأعظم ايراداً في العالم ، وعلى الرغم من تدشينها قنوات عالمية تخاطب الشعوب خارج حدودها مثل قناة سي سي تي في وقناة سي جي تي إن الناطقين بـ7 لغات كالعربية والاسبانية والروسية والبرتغالية، إلا أن تلك القنوات تخاطب العالم بلسان صيني فقير الأداء والمحتوى. وبعيداً عن الثقافة والفن والاعلام.. هناك ملفات بالغة الخطورة لا بد من حسمها أولاً لتصبح الصين قوة عظمى، هي امتحان في شرق وجنوب شرق اسيا بل وداخل قطرها نفسه. فرض الهيمنة على بحر الصين الجنوبي وحسم مشاكل الحدود في جزر سبراتلي وحسم مشكلة مقاطعتي سينكيانج والتبت الإنفصاليتين بالصين ومشكلة تايوان ومشاكل الحدود مع الهند وفيتنام وهويتها الكنفوشية الشيوعية، كلها امتحانات للتنين الصيني لابد من أن يجتازها أولاً قبل. وهذا الاجتياز سيتطلب بدون أدنى شك صدام مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية المتورطة في تلك المنطقة باعتبارها رجل الشرطة لأمن شرق وجنوب شرق أسيا دفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية، وفي مفترق طرق، يطفو على السطح النووي الكوري الشمالي والذي أراه فيلماً كرتونياً وورقة تلعب بها قيادة الحزب الشيوعي في بكين للضغط على الغرب. 11 تريليون دولار ناتج اجمالي محلي للصين وسيقف على قدم المساواة مع نظيره الأمريكي البالغ 18.5 تريليون خلال عقد، و146 مليار أخرى جملة الانفاق العسكري على 5 ملايين جندي صيني تقريباً و4 حاملة طائرات وترسانة نووية قوتها أكثر من 270 قنبلة ورأس حربي نووي هذا ما تمتلكه الصين وفق المعلن بالدوائر الأكاديمية. هل تحول النظام الدولي للثنائية سيحتم وقوع حرباً بين بكين وواشنطن؟ تساؤل هام.. فقد تندلع حرباً إقليمية بشرق أسيا تتورط بها مصالح الصين حتى تتمكن من دفع النظام الدولي نحو الثنائية ، وقد بدأت بالفعل حرباً اقتصادية بين قطبي المستقبل القريب وفق ما صرح به الرئيس الأمريكي ترامب في يوليو الماضي عقب وصول حجم العجز التجاري الأمريكي لـ268.7 دولار خلال العام الجاري لصالح الصين، مما دفع ترامب بإصدار قرار فوري بفتح تحقيق شامل وفوري للممارسات التجارية الصينية. ستصبح الصين قوة عظمى.. لكنها ستظل قطب دولي أعرج أو قطب ناقص الأركان وهو ما سيلقي بظلاله على قدرتها في تحمل مسئولية القوة العظمى وهو المأزق الذي سيدركه الحزب الشيوعي الصيني لاحقاً. في أقل من نصف قرن.. أتنبأ بأن يمتلك العالم نظام دولي ثنائي القطبية بين بكين وواشنطن، وبعد قرن أتنبأ بعدم قدرة الصين على الوفاء بالتزامات القطبية، ليتحول العالم سريعاً نحو نظام جديد تعدديته الأكثر ترشيحاً.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;