محـمد شـوارب يكتب: عندما تكون أخلاقنا هى مراكب النجاة

عندما نخطئ - ونحن خطائيين ـ نكون أطوع الناس لمن يأخذ بأيدينا إلى ما هو الصواب، فإن الحياة ليست مجرد نقدية أو فكرية، إنما هى أخلاق ثابتة موروثة من الآخرين الذين علمونا وتعلمنا منهم، فمثار الأخلاق الطيبة تعطر الأرض بين الناس بما يستمتعون ويملكون من أخلاق طيبة وحميدة، فالأخلاق تمثل السعادة لأصحابها، وتخطو الخطى إلى طريق نحيا وتحيا فيه القلوب.

فعندما أكتب فى مثل هذا الموضوع أقسم مشاعرى وأحاسيسى وأفكارى لقسمين وربما أكثر، فهناك قسماً يتعرف على أخلاق الآخرين بدقة وأحوال أمتنا التى ما ظهر منها وما بطن، والآخر أتلمس فيه أخلاق رسولنا محمد (صلى الله عليه وسلم) من توجيهات ما تشفى السقام وتدعم الكيان لنا. ففى أحوال وطننا وأمتنا تبعثرت وهاجت الأخلاق مما اصطحبها بأمراض موروثة، ولا أسمح للأخلاق السيئة أن تتمكن فينا وتخدعنا عبر جراثيم الحياة الملوثة.

لقد أقام محمد (صلى الله عليه وسلم) حضارة أسست وحققت الغاية العليا للأخلاق فى الوجود الإنسانى، فهل نحن نعيش ونمتلك هذا الموروث النبوى لكى نستهدى ونهتدى؟ ففى أحد الأزمنة قيل لعالم مسلم: هل قرأت وأطلعت لأدب النفس والخلق لأرسطو؟ فما أن كان جواب العالم المسلم: لقد قرأت أدب وحسن الخلق لمحمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم).

فإن العمر لقصير، وإن الحاضر الذى نعيش ونحيا من أجله لضيق، والعقل لا ينمو فى كيانه وتألقه من وراء هذا الانكماش والتصور الحياتى لأخلاقنا، بل لابد أن يتعدى مكانه إلى رحاب الملكوت الواسع، وزمانه فى عصور الحياة المتطاولة. فإن الرجل يعيش فى حالتين: إما أن تكون له تجارب خاصة يستغلها فى تصحيح أفكاره وأخلاقه وتدعيم إيمانه، وإما أن يكون لا علم له ولا خلق، فعليه أن يستيقظ ويتعظ من الآخرين ويستمع إليهم ويستفيد من أخلاقهم وتجاربهم. فإذا لم يتعظ فى هذه الدنيا المائجة بالأحداث الهائلة دون تفكر أو أخلاق، فهنا قد عمى وظلم نفسه، وهذا ما لا يليق بإنسان مؤمن.

بلا شك إن فطرة الإنسان وطبيعته خيرة، وليس معنى هذا أنه ملاك لا يحسن إلا الخير، بل معنى هذا أن الخير يتواءم مع طبيعة الأخلاق الأصيلة، فالإسلام يقدر حقيقة صرح الأخلاق فى توجيهها إلى السلوك الخير، حيث يزيح العوائق المشبوه إلى أفضل ما يحسن الظن بالإنسان، فالخلق الحسن هو الثمرة الدانية للإيمان الواضح والعمل الصالح، وهنا للإسلام دوراً كبيراً حيث يعالج النفس السيئة ابتغاء إصلاحها لما فيها من طيبة تهفو إلى الخير وتسر بإدراكه وتأس للشر، وتحزن من ارتكابه ونرى أن الحق للنفس بأخلاقها تمتد إلى وجودها وصحة حياتها.

إن الخلق هو الدنيا كلها وبأكملها.. فإذا نقصت أمة حظاً من رفعة صلتها بالله أو مكانتها بين الناس، فانهزمت أخلاقها، لقد خلق الله السموات والأرض بالحق، وطلب إلى الناس أن يبنوا حياتهم على الخلق والحق، فلا يقولوا إلا الحق وأن يتعلموا بالخلق الحسن، فإذا سقطت أخلاقنا انحرفنا وهبطنا.

فمراكب النجاة فى حياتنا هى الأخلاق، ودعنى أشير إلى دور المجتمع بأكمله ودور الأسرة الأول والأخير فى تربية الأبناء وهذا الجيل على حسن الأخلاق، فأكثر الأولاد اليوم إنما جاء فسادهم من قِبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم لفرائض الدين، فأضاعوهم صغاراً، ولم ينتفعوا بأنفسهم ولا ينفعوا آباءهم كباراً ولا مجتمعهم ولا حتى أنفسهم، فالتربية لا تتم إلا بالحب، والحرص كل الحرص على تربية هذا الجيل سواء بالبيت أو المدرسة أو الجامعة أو الإعلام أو الشارع المهذب أو المنظمات والجمعيات الدينية المؤهلة لذلك، فالكل مقصر فى تربية هذا النشء وهذا الجيل الذى يلهث وراء الفيس بوك وبرامج اللهو والمزح، فهناك ما هو مفيد بشبكات التواصل الاجتماعى، ليت شبابنا يدرك هذا. فكلنا مسؤولين عن هذا الجيل الذى أضاع نصف عمره فى أوقات لا تنفع ولا يستفيد منها المجتمع فيجب علينا أن نعلم أولادنا وشبابنا على حسن الخلق، فالتربية أهم من الخبز والثوب فهذا الشباب يجب أن يحسن أخلاقه ويعيش لكى ينمو مواهبه واختراعاته، لكى ينجحوا فى حياتهم، فالمجتمع الذى يربى هو المجتمع الحسن الذى يبث الحياة السعيدة فى نفوس هؤلاء الشباب بالأخلاق والجهد والعمل، فكلنا فى مراكب النجاة فإذا نجت، نجت بأخلاقنا التى تثبت جذورها فى السماء وتبث العطر والزهور والثمار فى الأرض بين الناس.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;