صفحات عديدة على فيس بوك زفت إلينا خبر سعيد بفوز طالب صيدلة الأزهر عبد الرحيم راضى بالمركز الأول فى المسابقة العالمية للقرآن الكريم فى ماليزيا.. عندما وقعت عينى على الخبر ابتهجت وانفرجت أساريرى.. لكن كعادتى لا أنقل شيئا بدون مصدر لذا أخذت أبحث عن مصدر وأتتبع صفحات فيس بوك إلى أن وجدت ضالتى أخيراً.. ها هو الحساب الشخصى لعبد الرحيم راضي.. أحدث ماكتبه يؤكد أنه فاز بالمركز الأول فى ماليزيا.. والمنشور السابق له يتحدث عن منافسة الطالب الإيرانى له وغروره وتأكيده بأنه سيكون الفائز وكيف رد عليه بطلنا رداً راقياً أفحمه.. والمنشور السابق له يتحدث عن المسابقة أيضاً وهكذا.. وكل المنشورات بتواريخ أيام مختلفة ومتسلسلة تتحدث عن المسابقة ومشاركته.. وإذا بصورته تظهر وهو يحمل علم مصر ويرتدى الزى الأزهرى المعروف كاملاً وصورة أخرى هو يحمل فى يده درع صغير.. أليس هذا يكفيك مصدراً ؟!.. وإذا بى بكل فخرٍ أضع صورتيه على حسابى الشخصى على فيس بوك لأزين صفحتى بهذا الطالب المصرى الأزهرى حامل كتاب الله الذى شرف مصر والأزهر ورفع إسم وعلم مصر عالياً ليصبح قدوة ومثل !!
تناقلت صفحات فيس بوك الخبر وتناقلت كل مواقع الأخبار تقريباً هذا الخبر السعيد وتناقلته البرامج التلفزيونية بدورها وأجروا مداخلات هاتفية مع بطلنا الفائز ودعوه لحضور الحلقات للتشرف به وتكريمه.. وأعلنت هيئات كثيرة بما فيها الأزهر الشريف عن أن الطالب سيتم تكريمه.. وغلبتنى دموعى وقولت فى قرارة نفسى هنيئاً لك يا حامل كتاب الله !!
إلى هنا وهذا الجو الاحتفائى الكرنفالى يسيطر على المشهد.. إلا أن الدكتور عبد الفتاح الطاروطى - عضو لجنة التحكيم بالمسابقة العالمية للقرآن الكريم بماليزيا – أكد أنه كان بالمسابقة فى شهر شعبان الماضى ولم ير الطالب عبد الرحيم راضى الذى إدعى أنه فاز بالمركز الأول بها وأن المسابقة موعدها ثابت فى شهر شعبان من كل عام.. وأنه خاطب السفارة الماليزية وتواصل مع القائمين على المسابقة فى ماليزيا واكدوا له أن هذا الطالب لم يكن فى المسابقة ولم تكن هناك مسابقة أصلاً فى الفترة الحالية !!
وتواصل د/ عبدالفتاح مع الصحف والبرامج التلفزيونية وقال أن فائزنا وبطلنا الذى نحتفى به مزيف.. وقالت وزارة الأوقاف أنها ترشح كل عام قارئ وقارئة للمشاركة فى مسابقة ماليزيا ولم يكن بطلنا المزيف واحداً منهم فى أى سنة من السنوات.. وبناءً عليه كل الهيئات التى أعلنت تكريمها للطالب ألغت التكريمات.. وبدأ الجميع يكتب العناوين الرنانة عن كشف خداع الفائز المزيف.. وإلى أن تمت كتابة هذه السطور لم يحاول الطالب أن يثبت براءته ولم يتعرض لتنكيلِ وعقاب أشد مما حدث.
لعلى هنا لابد أن أقف وأتأمل وأؤكد لنفسى وحضراتكم أن ما قولته لكم سابقاً عن فيس بوك ومواقع التواصل الإجتماعى حقيقى 100 %.. إن أغلب محتوى هذه المواقع من التفاهة بمكان ومن الكذب والتدليس والخداع بمنزلة كبيرة..أغلب القصص التى نقرأها على هذه المواقع مزيفة ومختلقة وخاصة فيس بوك الذى يتيح كتابة قدر كبير من الكلمات وإضافة الصور وتكوين الموضوعات..
ولعلك الأن تدرك معى أن قصة الشاب الذى يبيع الأقلام فى المترو ثم نظر للناس وقال.. هو فى الحقيقة لم يقل.. وأن قصة الرجل الكبير فى الأتوبيس ربما لم تكن.. وأن قصة التاكسى المنتظر فيه الطفل المريض أثناء مرور الموكب ربما لم تكن.. وأن قصة الفتاة التى مسخت كلباً لم تكن.. وأن قصة الضابط الذى استوقف الدكاترة والمهندسين فى ميدان التحرير فى ذكرى يناير وقالوا له وقال لهم.. لم يقولوا ولم يقل... وأن قصة الرجل وزوجته الذى انفجر إطار سيارته وهو فى طريق العين السخنه وأتت الشرطة وساعدته وقال له الضابط.. لم تكن ولم يقل.. وأن قصة الفتاة التى كانت تقود سيارتها ويضايقها شباب بسيارتهم ووقفت فى أقرب إشارة مرور وشكت لأمين الشرطة فساعدها وأمسك بالشباب وقال لهم.. لم تكن ولم يقل.... وأن أغلب القصص الذى نقرأها فى أى بلدٍ من البلدان والأقوال التى قيلت بأى لغة من اللغات.. إنما كانت وقيلت فقط على فيس بوك أما فى الحقيقة لم تكن ولم تقل.
ليتنا ندرك أن فيس بوك أخذ أكبر من حجمه ووظيفته وأصبح أكبر آلة تنشر الكذب والخرافات وبسرعة رهيبة تنتشر عليه الخرافات والتفاهات وتسجل عدد لا محدود من الإعجابات والمشاركات والتعليقات.. أما إذا كان ثمة معلومة مفيدة أو شىء فيه قيمة فغالباً لا يقرأه إلا كاتبه.. ليتنا نتعلم ونتدبر ونعتبر من فقاعات فيس بوك بدلاً من أن نستمر فى المهاترات.. لا تكونوا مجتمعاً صابونياً رخواً حتى لا يعبث بكم الهواء فينتج فقاعات أو تنزلق أقدامكم.