"تيقن أن الحياة لن تمنحك الفرصة مرتين"، هذه رسالة أُرسلها إلى كل من تأخذه العزة بالإثم، ويظن أنه امتلك الدنيا بما عليها، لدرجة أنه ينسى أن هناك أشخاصا غيره فى الحياة، كانوا يستحقون منه أن يمنحهم ولو جزء يسير من تقديره وحبه، ولكنه تغافل وغرّته الحياة، وظن أن الفرصة الممنوحة له أصبحت كالخاتم فى إصبعه، من حقه أن يُهملها ويتجاهلها ويتركها، غير عابئ بأنها مجرد فرصة، أى أنها لن تدوم إلا بحفاظه عليها، وتقديره لها، كل منا يُردد كلمة "الفرصة"، دون أن يعى معناها، والآن، اسمحوا لى أن أُفسر معناها بصورة عملية بحتة .
لقد ذهب أحد الأشخاص فى يوم ما لزيارة نحَّات، فرأى تمثالاً غريبًا، كان وجهه مُغطى، وله جناحان على قدميه، فسأل الرجل النحَّات: "ما اسم هذا التمثال؟"، فأجابه: "الفرصة"، فسأله الرجل: "ولماذا وجهه مخفي؟"، فرد النحَّات: "لأنه يندر أن يعرفه الناس عندما يأتى إليهم"، فقال الرجل : "ولماذا له جناحان ؟"، فأجاب النحَّات: "لأنه سرعان ما يطير، ولا يمكن الإمساك به إذا طار" .
فهل عرفتم الآن معنى كلمة "الفرصة"، فهى تأتى دون سابق إنذار، وتأتى بأكثر مما كنا نتمناه أو نأمله، ولا تقول أنها فرصة؛ لأنها لو قالت ذلك، لن تُصبح فرصة، فالفرصة تأتيك، وهى تُشعرك أنها خُلِقت من أجلك، فلو أدركت قيمتها، تُصبح ملكك إلى الأبد، ولو خسفت بها الأرض، طارت منك إلى الأبد، ولكن من منا يدرك ذلك، كلنا نحمل بين ثنايا ضلوعنا، وبين طيات قلوبنا، صوت هامس، يقول ويُردد بمنتهى الغرور : "أنت تستحق أكثر من ذلك"، فلو لم تكن تستحق هذه الفرصة، ما كانت أتتك، وعليه نتصرف بمنتهى الكِبْر، ونحن على يقين أن الفرصة لن تضيع، باختصار لأننا نستشعر فى لحظات أننا نحن الفرصة الحقيقية، ونتناسى أحلامنا التى كانت مجرد خيالات، لم يَرْقَ فكرنا إلى مجرد توقع أن يمنحنا القدر فرصة تحقيق الحلم، وللأسف الشديد، عندما نمسك الحلم بأيدينا، نظل نُلاحقه، ونقتله، حتى يتلاشى، ولا يترك لنا سوى الذكريات التى لا تُسْمِن ولا تُغْنِى من جوع.
تذكروا يا سادة، أن الفرصة هبة من المولى – عز وجل – ولا تُردوا جملة "لو كانت لنا ما كانت ضاعت من أيدينا"، فالمولى يهب لمن يستحق ولمن لا يستحق؛ لأنه كريم ورحيم، وعندما يُقدر الإنسان هبته، يُبارك له فيها، أما من يسْتَعلِى ويغتر، فيُحْرَم من نعمته.
أرجوا أن تكون رسالتى واضحة إلى كل من أضاع فرصة، ولم يُدرك حكمة الله فى منحه إياها فى توقيت معين، وسؤالى الآن، كان الله رحيمًا بك، فلماذا لم ترحم أنت نفسك؟!
ارحموا أنفسكم بالحفاظ على فرصتكم، قبل أن تطير بجناحيها، وما أسرعَ طيرانها.