من آليات السوق الحر، تحرك السوق وفق متطلبات العرض والطلب وقدرة السوق على ضبط أوضاعه دون الخضوع لأى رقابة، ومنذ شرعت الحكومة فى برنامج الإصلاح الاقتصادى، أدى ذلك بشكل طبيعى لارتفاع الأسعار، وسارع التجار باستغلال الأزمة إذ هم رأوْا أن السوق أصبح تربة خصبة للتلاعب بالأسعار والكسب المضاعف من أى وقت مضى، لترضى مطامعهم، واستشعروا ذلك مبكرا من خلال خبرتهم التجارية السابقة، وأصبحت تلك الفترة بالنسبة لهم فرصة ذهبية لجنى أرباح أضخم واكبر وتستمر معهم مع استمرار الأزمة، وبعضهم تمنوا وان طالت بطول أعمارهم.
وترتب على ذلك احتكار أعداد كبيرة من السلع من قبل تجار تمتد صلاحيتهم فى التحكم فى العرض بالأسواق، بالإضافة انهم يتمتعون أيضا بالقدرة فى التحكم بأسعار السلع بحكم طبيعة احتكارهم لتلك السلع، ولعل ابلغ دليل على ذلك الحملات التى تتناولها وسائل الاعلام فى ضبط آلاف الاطنان من السلع التموينية على سبيل المثال من قبل الجهات المعنية بذلك وجهاز الشرطة، ومن الجمل الشهيرة التى يرددها التاجر، " مفيش بضاعة فى السوق، الاستيراد قفلوه والإنتاج المحلى غير كافى " شائعات يروج لها التجار لاقناع المواطن بأنه ليس أمامه إلا خيار واحد وهو " ادفع بالتى هى أحسن" وإلا باءت كل محاولاتك بالفشل، وان كان هذا التاجر يعترف ضمنا انه المالك الوحيد للسلعة، او بالأحرى يتعامل مباشرة مع محتكر تلك السلعة !
ومع ذلك يزعم التاجر بحالة من الركود الشديد تصيب الاسواق ويدعى معظمهم الفقر، لذلك اصبح التاجر يضيف مقدار ربحين على هامش الربح الطبيعى، لانه فى الغالب " كدب الكدبة وصدقها " كل ذلك على حساب إنهاك جيب المواطن وميزانية أسرته الشهرية، ويقسم التاجر للمواطن بكل الإيمانات انه يبيع له بسعر الامس، لكنه فى واقع الأمر يبيع بسعر العام القادم، من بضاعة الأعوام الماضية، اذ هو يستعطف المواطن بملامح المسكنة التى يستدعيها عند الطلب، مسترجياً المواطن أن يرأف بحاله، لأنهما شركاء فى المِحنة !!! ولكن من يرأف بحال المواطن ؟!
مبررا بان ارتفاع الأسعار مرتبط بسعر الدولار، مع العلم أن بضاعته لا تمت بصلة بالعملة الصعبة لا من قريب ولا من بعيد ،
قد يكون تاجر التجزئة ذنبه اقل فى هذا السيناريو لذلك الفيلم المفتعل لانه هو الآخر يخضع لتاجر مستغل يثرى على حساب التاجر الصغير والمواطن البسيط، لكن فى آخر الامر العبء الأكبر يتحمله المواطن أولا وأخيرا
ولكن تجار التجزئة لهم سخافات أخرى، لأنه مع الاتجاه القومى للترشيد يقفون حائلا دون ذلك بوضع تسعيرات كسرية تجبر المواطن على شراء كميات اكبر ليس بحاجة لها على الأقل فى الوقت الحالى، وخاصة فى أسواق الخضروات والفاكهة، وهذا امر فى غاية الغرابة، اذ انهم احيانا لا يسمحون ببيع كميات قليلة تكفى احتياجاتهم اليومية مثل كل دول العالم !!
قديما كنّا نسمع عن ذمة التاجر، وأن التاجر يتمتع باستقامة الضمير، وأخلاق المهنة تحكم تصرفه، ولكن أصبحت اغلب ذمم التجار " ذمة كاوتش " مطاطة تمتد لتخرج من جيوب المواطنين ما ليس من حقهم.
وأصبح ليس بوسع المواطن إلا سلاح الفصال، ونظرًا أن السيدات يتمتعن بالصبر وطول البال فى هذا الشأن تحديدا، بالاضافة أن ميزانية البيت دائما أبداً تكون بحوزتهن، فضلا أن الفصال يحتاج إلى فكر شرائى ودهاء تسويقى فهن الاقدر دائما على فعل ذلك دون منافس واستقطاع بضع جنيهات من سعر ما تبتاعه كل مرة لتشعر بعدها بالنصر، ولا تعلم انها ضحية لرجل مستغل.
صدق من قال إخدعنى مرة عار عليك، إخدعنى مرتين عار على، ونحن نُخدع مراراً من التجار الذين يستغلون تلك الأزمة أسوأ استغلال .
ان الامر يحتاج أن كانت الاسواق حرة، او أسواق غير حرة رقابة شديدة وغرامات بحجم ما اكتسبوه من بدء الأزمة إلى الآن، والضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه بالتلاعب بمصلحة المواطن الذى يتحمل وحده دفع الفاتورة كاملة .
حفظ الله مصر