عادةً عندما يريد شخص أن يُنبهنا للخطر الذى نحن مُقدمين عليه؛ حتى نتخذ احتياطاتنا، أول شيء يقفر إلى فكرنا هو "التهديد"، ونُحاول التظاهر باللامبالاة، وكأننا لا يمكن أن نهتز لأى شيء، مهما بلغت أهميته، بالرغم من أنه من الطبيعى أن يُفكر الإنسان فى كل جملة تُقال له، وألا يسمح لغروره أن يُسيطر عليه، فالمنطق يقول أن جرس الإنذار لم ولن يكن وسيلة للتهديد، بل هو وسيلة للإفاقة؛ لكى يعيد الإنسان التفكير، ويُحاول إصلاح الأمور، واستعادة كل ما له قيمة لديه.
أما من يستهين بتحذير من يُحبونه، لكى يظهر بمظهر القوي، الذى لا يهاب أى شيء فى الحياة، فمما لا شك فيه أنه سيخسر أشياء كثيرة من جراء استهانته واستهتاره، علاوة على أنه لابد أن يكون لدينا من الثقافة ما يجعلنا نُفرق بين التحذير، الذى يبتغى تحقيق مصالحنا، وبين التهديد، فمن يقول لك لا تفعل ذلك حتى لا تخسر، فهو يحبك، أما من يُساومك ويستغل ضعفك، ويضعك فى موضع لا تُحسد عليه، فهذا هو من يُهددك، وللأسف، نحن نضع الحالتين فى ذات الموقع؛ حتى نخسر من نحبهم، أو نفقد الأشياء الغالية علينا.
وأذكر أنه قرر الأعداء اغتيال أحد ملوك اليونان القدماء، فتحَرَّوا عنه، ورسموا خطة محكمة لذلك، وكلفوا عصابة لتنفيذ الاغتيال، فعرف أحد أصدقاء الملك بالخطة، فأرسل له مع أحد أعوانه مُغلفًا مُغلقًا، يُحذره من وقوع الجريمة، وطلب من حامل الرسالة أن يُخبر الملك بضرورة قراءة الرسالة فورًا؛ لأن الأمر خطير جدًا، ولكن الملك قال : "الأمور الخطيرة تستطيع أن تنتظر إلى الغد"، وفى تلك الليلة اُغْتيل الملك، ولم يكن له غد !.
والسؤال الآن، لماذا نتجاهل تحذير الأحباب، ونستهين به، أو نأخذه على أنه تهديد لا يليق بنا؟!