الحب هو أجمل إحساس يمس القلب، وأصدق شعور يختلج النفس، وأجمل ما فيه هو التضحية، فعندما تُضحى لمن تحب، تشعر وكأنك ضحيت من أجل نفسك، وعندما تمنحه السعادة، تشعر وكأن السعادة خُلِقَت من أجلك، ولكن ما أصعب أن تكتشف أنك وهبت إحساسك لشخص يتعامل مع المشاعر على أنها لحظات مرحة، يُضيع بها وقته، وعندما تصطدم بصخرة الواقع، تتهتك تمامًا.
فكم من إنسان يعيش الحياة لحظة بلحظة، ولا يعبأ بمشاعر الآخرين، فيتعامل مع الحب على أنه مجرد كلمات معسولة، تُطرب الأذن، وتُشعل القلب، وتُغيب العقل، وعندما تأتى اللحظة التى لابد فيها أن تُترجم هذه الكلمات إلى واقع ملموس، يكتشف الآخر أن هذه الكلمات كانت مجرد مُخدر سريع المفعول، أطاح بالفكر والعقل معًا، فكم قابلنا أشخاصًا أحبوا أشخاصًا لديهم ظروف خاصة، وتقبلوا هذه الظروف، حتى لو كان الثمن راحة بالهم واستقرار حياتهم، ظنًا منهم أنهم سيجدون التقدير والاحترام من الطرف الآخر، ولكن ما أن تبدأ التضحية منهم، تبدأ الأنانية من الآخرين.
وهذا يُذكرنى بقصة لرجل أحب فتاة عمياء، فسألها ذات مرة: "متى تقبلين الزواج بي؟" فأجابت: "عندما أستطيع أن أرى وجهك الوسيم"، وبعد عدة أيام جاءها اتصال من أحد الأشخاص يتبرع لها بعينيه الاثنتين، ففرحت كثيرًا؛ لأنها أخيرًا سترى حبيبها وتتزوجه، ولكنها عندما رأته صُدمت؛ لأنها وجدته أعمى، فرفضت الزواج منه، فتبسم وهمس فى أذنها: "كما تشائين يا حبيبتي، ولكن أريد أن أقول لكِ شيئًا قبل أن أرحل عنكِ، أريدكِ أن تُحافظى على عيونى التى وهبتكِ إياها". فلمن العزاء الآن، هل للفتاة التى خسرت الحبيب المخلص، أم للرجل الذى فقد نور عينيه وإيمانه بالحب؟!
أغرب ما فى هذه القصة، هى أنها تجعل أى إنسان يُحب شخصًا له ظروف خاصة، ويُصدق كلماته المعسولة، ويثق به لدرجة الإيمان، حتى أنه لا يتوانى عن التضحية بأى شيء، حتى لو كان حياته كلها من أجله، يُفكر هل تضحيته هذه سيندم عليها فى يوم ما أم لا، وما يُحيرنى حقًا، لماذا ماتت أجمل المعانى وانتحرت أصدق الأحاسيس؟ وقطعًا، سؤالى المحير لن يجد إجابة عليه؛ لأن هؤلاء الأشخاص ماتت بداخلهم أحاسيس كثيرة، فهم من ينطبق عليهم "ولا حياة لمن تنادي"، ولكن فى اعتقادى أن العزاء والشفقة من نصيب هذه الفتاة؛ لأنها كانت عمياء قبل أن تلتقى بحبيبها، وستظل عمياء بعد أن فقدته، فما فائدة نور البصر لو عاش فى حضن ظلام البصيرة، أعتقد أننى الآن أجبت على السؤال المُحير.