سَألَ عمرُ بن الخطّاب عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه؟ فقال الرّجلُ: لا، فقال عمر: لعلّكَ صاحبته فى سَفرٍ، فالأسفار كاشفة للطباع؟ فقال الرّجلُ: لا، فقال عمر: لعلّكَ تاجرتَ معه، فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال؟ فقال الرّجلُ: لا، فقال عمر: لعلّك رأيته فى المسجدِ يهزُّ رأسَه قائمًا وقاعدا؟ فقال الرّجلُ: أجل، فقال عمر: اجلسْ، فإنّكَ لا تعرفه؟
وبذلك وضع لنا عمر رضى الله عنه ثلاثة معايير تكفى أحدها لمعرفة الشخص، فحلو الكلام أو الأفعال فى أوقات الرخاء كلها لا يعدو كونه انطباعًا ظاهريًّا عن الشخص، لكن المعرفة الحقيقية لا تُؤتى إلا بالجوار فالجار أعلم الناس بأخلاق جيرانه أو الصحبة فى السفر، فالسفر تُعرف به مكارم الأخلاق أو المعاملات المادية التى تنبئ عن سماحة المرء أو جشعه وتبين مدى أمانته أو غدره .
ولذلك أرى أن التسرع فى الحكم على الشخص بناء على ظاهر قوله أو فعله وبعيدًا عن أحد هذه المعايير قد يوهم الإنسان بعكس ما تتضمنه الحقيقة .