الزواج من أقوى العلاقات الإنسانية وأعقدها على الإطلاق، فليس بالهين على أحد كان واحدا منفردا مسئولا عن نفسه، حرا فى قراراته، أن يصبح اثنين عليهما أن يحققا ارتباطا قويا لدرجة التشارك فى الصغيرة قبل الكبيرة، أو هذا ما يفترض فى الزواج السليم.
ولصعوبة هذا الأمر على أغلب البشر واستحالته عند بعضهم، تنشأ الخلافات والعراقيل التى تشمخ كالجبال، وتؤدى فى بعض الأحيان إلى إنهاء الزواج بالطلاق، أو سيره أعرجا على نحو فاشل، مثل الزواج من أجل الأبناء، أو الزواج من أجل الشكل الاجتماعى، أو الزواج الاحتياطى، أو الزواج من أجل مصلحة.... إلى آخره.
ما تجلى لى فى كل الروايات الزواجية الواقعية التى نسمعها ونقرأها هنا وهناك؛ والتى يحاول كل طرف فيها غالبا ادعاء القهر، وأنه مغلوب على أمره، وأن الطرف الآخر هو الشر فى صورة إنسان؛ ليس ما يرددونه أثناء النقاشات من اتهامات كبيرة وشكاوى واضحة المعالم، متشعبة المعنى، وإنما السر كله يكمن فى التفاصيل الصغيرة التى نطلق عليها "تفاهات"، التى يستصغرها الجميع ويحقرها بينما تدخرها القلوب واحدة تلو الأخرى حتى يتكون كيانا كبيرا اسمه الخيانة أو الأنانية أو البخل أو الكراهية.
تفصيلات تخرج الحب من القلب وتنسى العقل الذكريات اللطيفة وحتى المزايا فى الطرف الآخر، تغير فى الطباع وتبدل الحب بغضا، تفصيلات مثل؛ عدم إنصات أحدهما للآخر حتى وإن كان الحديث تافها أو مكررا، مثل سيطرة أحدهما يوميا على جهاز التحكم فى التلفاز أو المكيف، مثل وضع أحدهما كلمة سر لهاتفه تثير ريبة الآخر، خاصة إن كان الآخر مرتابا بالأساس، مثل تخلى أحدهما عن بعض مسئولياته وإلقائها على ظهر الآخر، وهو يعلم أنه لا طاقة له بها، مثل مخالفة أحدهما وعدا اتفقا عليه حتى لو لنزهة أو سفر للترفيه، ولم تكن الحجة مرضية، مثل تخلى أحدهما عن الآخر فى أزمة من أى نوع، مثل إضعاف أحدهما هيبة الآخر أمام الناس أو حتى أمام الأبناء، مثل رد أحدهما على الهاتف بصوت خفيض يثير الشكوك.
مثل هذه التفصيلات هى التى تغير المشاعر وتبدل الشخص تدريجيا وما يتبدل تدريجيا لا يعود أبدا كما كان.
الحديث فى التفصيلات والأحداث المنفردة، ليس تعظيم للتفاهات بل أنه تراكم موقف فوق حادث فوق كلمة فوق نظرة مسيئة، هدموا بتجمعهم علاقة كانت قوية من جذورها.
من يغفل التفصيلات الصغيرة فى الزواج يغفلها فى العموم ويصبح شخصا لا مبالى، ومن يهتم بالتفصيلات الصغيرة فى الزواج يهتم بها فى العموم ويصبح شخصا مراعيا للغير، ليتنا نهتم بالتفصيلات لأن بها اهتمام ورعاية وليس غباء وتفاهة.