فى هذه الغرفة المظلمة التى يظهر فيها شعاع من ضوء القمر يمر من خلال نافذة غير مغلقة تماماً .. وحيداً أستعيد ذكرياتى التى لا يكاد يتبقى منها شيء .. ولكن تبقى ذكرى واحدة لكى أعيش بها .. قد تدمع العين ويزداد الاشتياق والحنين .. فما زلت لسنوات أبحث عن امرأة أصبحت أراها فى وجوه العابرات من النساء .
ويرجع الخيال للوراء لسنوات بعيدة إلى هذا اليوم … كنت أجلس أمام مبنى هذه الكلية .. فانتبهت إلى عيون فتاة جميلة ساحرة تمشى تفتخر بأنوثتها وشبابها .. ترفع أكمام بلوزتها إلى كوع يدها … لا تأبه للحاضرين والمتلهفين لجمالها وسحرها .. ولم أنتظر قليلاً حتى شعرت بدقات قلبى كإيقاع الموسيقى وعزف الجيتار … فأدركت أنه حب جديد وأبدى … وتوقف الزمن قليلاً واعتزلت من حولى وبقيت أنا وهى فى هذه اللحظة .. وتحولت اللحظة إلى حياة وإلى عمر آخر.
عيناها كانتا ساحرتين تبعثان فى قلوب من يراهما الأمل والحياة والسعادة .. وكانت بالنسبة لى الصورة النهائية جسداً وروحاً للمرأة التى ستظل معى لآخر العمر.
ومن ذلك اليوم لمدة أربع سنوات جعلت لى جدولاً لميعاد وصولها وانصرافها من مبنى الكلية .
فكان قمة الرضا عندى أن أراها ثم أنصرف .. لا أحد يفهم أنفاسها وضحكتها ووجهها وعينيها وسحرها إلا أنا.
هناك أشياء يجب أن تبقى لكى نحيا بها .. وكم تمنيت أن أستعيد هذه اللحظة مرة أخرى، ولكن بقيت معى عمراً آخر .
....
تلك التخيلات العشوائية بداخل الغريب الرومانسى .. يوماً ما لن يتدخل بمزيد من خياله الضال.
قضى زمناً طويلاً، ما يقارب عشر سنوات، بابتسامة أو دمعة. فمن الغريب أنه أحبها مرتين،
فكانت كقهوة الصباح، يتناولها كل يوم، يرتشف غيابها بأنين موجع. وتلك الفضاءات المتساقطة من دون أمنيات .. متموجة بألوان الغيوم ، حيث اللاشعور ينغمر ، ويظهر قرص الشمس، يناديه ليراها، فقد كان يرى حبيبته فيه من ملكات العهد القديم . وهى كانت ترى نفسها قريبة الشبه من الملكة إيزيس. ..يناجى القمر متسائلاً: من يحملنى لأيامى ؟ من يحملنى لذكرياتى وأحبتى؟