ما أشد بؤس هذا الفارس، الذى يمتطى حماره ويتصور أنه حصان عربى أصيل، ويمتشق حساما من الخشب، ثم يتسلّح بدروع وهمية وينطلق على غير هوادة ليحارب أشباح يظنهم أعداء، هى فى حقيقتها خيالات لأطلال عفا عليها الزمن.
دون كيشوط هو درة إبداعات "سيرفانتس" الروائى الأسبانى، وصف ببراعة أدبية، أزمة البعض ممن فاتهم الزمن ويتمسكون بفروسية تجاوزها التاريخ.
" دون كيشوط" مثال حى على طغيان الوهم على الواقع، حيث كل منّا يمر بهذا المشهد الدرامى، وإن لم يفطن إليه فى يقظته صراحة، حين يصحو من نومه ثم ينتعل شخصية مغايرة، يرتدى من الخارج دروعا وهمية ثم يتسلّح بما شاء له، ينطلق فى البرية مدافعا عن قيم أو مبادئ أقرب لبضاعة يروّج لها.
كل فرد بداخله بعض من صفات "دون كيشوط" تظهر فى لحظات وتتوارى كثيرا فى الأعماق لكنها قائمة، تتحيّن الفرصة للظهور، فما أجمل أن تعيش وهم صفات فروسية ونبل، تعى بداخلك أنها ليست حقيقة.