2000 يورو مكافأة لمن يهاجر ويعيش فى هذه البلدة الإيطالية.. عنوان خبر عريض نشرته جريدة الجارديان البريطانية فى 7 مايو الماضى، ثم أعادت نشره جريدة الإندبندنت فى اليوم التالى مباشرة مع إضافة قيمة الإيجار هناك تبدأ من 50 يورو فقط للشهر، الخبر تسبب فى إشعال مشاعر الحالمين بالهجرة لأوروبا.
بل ودفعنى بقوة نحو البحث وتقصى الحقائق، حيث تلى ذلك الخبر إعلان دانيل جاليانو عمدة بلدة بورميدا الواقعة فى مقاطعة ليجوريا غرب البلاد الذى أشاد بجريدة الإندبندنت لتبنيها قضيته أنه استقبل أكثر من 17 ألف رسالة على حسابه الشخصى على الفيس بوك خلال 4 أيام فقط طلباً من جنسيات متنوعة خارج وداخل أوروبا للهجرة إلى بلدته.
ما هى القصة؟
خلال الخمسين عاماً الماضية، شهدت إيطاليا تحدياً اقتصادياً صعباً تسبب فى نزوح العديد من القرويين وسكان المدن الصغيرة إلى المدن الأكبر النشطة اقتصادياً وتجارياً، بل البعض هجر إيطاليا ليبحث عن فرص عمل فى أستراليا وكندا والولايات المتحدة، وشهدت المدن الصغيرة اهتماما أقل فى التطوير والتنمية مما دفع لهذا الخلل فى توزيع النشاط الاقتصادى وبالتالى حركات نزوح ضخمة مما خلق فى النهاية ظاهرة (مدن الأشباح) التى لم يعد يقطنها أحد.
ولا يعد العامل الاقتصادى وحيداً، فالزلازل التى دمرت قرى إيطالية لعبت دوراً فى نزوح السكان مثلما حدث بالضبط فى مدينة سيفيتا دى بانوريجيو التى حملت يوماً لقب جوهرة نهر التيبر الشهير.
ففى 15 مايو 2015، نشرت جريدة ديلى ميل البريطانية خبراً بالغ الأهمية كان عنوانه (إشترى منزلاً فى أروع قرى إيطاليا مقابل 1 يورو فقط)، وأضافت الجريدة أنك ستضطر لإنفاق نحو 25 ألف يورو بعد الشراء من أجل تجديد المنزل لجعله مكان أفضل للمعيشة.
3 قرى بوسط إيطاليا تعرض منازل للبيع مقابل 1 يورو أى أقل من ثمن مشروب اسبرسو، كلمات ساخرة سطرت بها سيلفيا ماركيتى صحيفة جريدة ديلى ميل هذا الخبر أنذلك الذى أُرفِق به عشرات الصور لقرى مهجورة وبيوت خاوية على عروشها فى إيطاليا على تلال وسهول خضراء ساحرة فى الريف الإيطالى الذى يحاول كبار رجال الأعمال بمصر خلق مناظر مشابهة له لكن بأسعار مليونية بشرق وغرب القاهرة.
هناك مدن وقرى إيطالية أخرى باتت أماكن مهجورة مثل كراكو بأقصى الجنوب بمقاطعة ماتيرا حيث وصل عدد سكانها نحو 770 مواطن فقط عام 2008، ومارتيس المهجورة تماماً بوسط إيطاليا، ومدينة سان سيفيرينو ومدينة بينتيداتيلو فى مقاطعة كالابريا.
فمدينة بورميدا الإيطالية التى يمكنك الوصول اليها بالسيارة خلال ساعات فور وصولك مطار كوت دى آذور بمدينة نيس الفرنسية بات عدد سكانها لا يتجاوز 394 شخص وفق صحيفة الجارديان وبالتالى باتت مدينة أشباح.
والمثير للجدل، بعد نيل حسابه على الفيس بوك أكثر من 25 ألف متابع، أعلن جاليانو عمدة بورميدا أن منح 2000 يورو لمن يهاجر لبلدته كان مجرد خطة مقترحة من جانبه لإحيائها وسيتم طرحها على البرلمان الإيطالي، مما خفف من جموح المتابعين لأخبار 'مدينة الأشباح'.
وبعد هدوء تلك العاصفة...
نشرت شبكة الأخبار (سى أن إن) خبراً مثيراً منذ 7 أيام فقط عن مدينة أخرى تدعى كانديلا مؤكدةً على تقديم عمدتها نيكولا جاتا 2000 يورو لمن يهاجر لها والبقاء بها لأنها باتت مهددة بإدراج اسمها على قامة مدن الأشباح.
800 يورو للأعزب و1200 يورو للمتزوج و1800 يورو للأسرة المكونة من ثلاثة أفراد وأكثر من 2000 يورو للأسرة المكونة من أربعة، وأضاف جاتا أن عدد سكان المدينة وصل لأكثر من 8000 مواطن بالتسعينات ثم هبط الرقم ليصل لـ 2700 فقط وأنه يعمل بكامل طاقته وشغف من أجل إعادة الحياة للمدينة المهجورة.
وقد اشترط عمدة كانيدلا ثلاثة أمور لنيل هذه الحوافز المالية وهى البقاء بالمدينة وتأجير منزل والحصول على عمل بأجر لا يقل عن 7500 يورو بالعام أى نحو 600 يورو شهرياً.
ومن زاوية أخرى، خلف الكواليس تسعى الأن الحكومة الإيطالية لتبنى خطة لإحياء مدن الأشباح التى هجرها السكان عبر حقن تلك الأماكن بمهاجرين سواء أوروبيون أو دوليون وحوافز مالية مغرية تضمن استيطان هؤلاء المهاجرين لتلك المدن.
وبقصص نجاح ضئيلة، سلط الاعلام الإيطالى الضوء على تجربة قرية سانتو ستيفانو دى سيسانيو التى هُجِرت لفترات طويلة ثم تم بيعها لرجل أعمال حولها لفندق مفتوح ومتطور يتراوح قيمة ايجار الغرفة الواحدة ما بين 150 و400 يورو.
بل والمثير للضحك، عرض قرية بالكامل تدعى براتاريتشيا بمقاطعة تسكونى للبيع على موقع إي-باى مقابل 2.5 مليون يورو فقط!
فالوصول لتلك البلدات يعنى الكثير لدى الفقراء والمعدمين والشباب الطموح بالدول الفقيرة، وهو ما يعنى هجرة إلى بلد ثرى وفتح الأبواب على مصرعيها للإستقرار بأوروبا الغنية، والجدير بالذكر أن إيطاليا لا تعانى وحدها من تلك الظاهرة، فهناك حالات شبيهة فى ألمانيا وفرنسا.
وسيجد المهاجرون تحديات جمة فى هذه الأماكن المهجورة مثل العثور على فرصة عمل جيدة فى أماكن تركها الإيطاليين أنفسهم لوفاتها اقتصادياً!.
أنهى مقالتى بكلمات خفيفة.. هل ستنجح إيطاليا فى إعياء بلداتها المهجورة، وهل يملك مَن يقرأ هذه المقالة الأن الجرأة لخوض تلك التجربة.