"سأُعيد القيام برحلاتنا كلها، سأتوقف حيث توقفنا، في غمرة أيام الأجازات، أعتزل الناس، ولا ألفظ إلا ما هو ضروري من الكلمات، لكم أتمنى أن أكون مُجرد عابرة، بالمعنى المُطلق لهذه الكلمة! ولو أنني استطعت ذلك، لجعلت من نفسي خيالاً لا يُرى، وفي الصمت أتجه نحوك بكل قواي، كل ما بقي مني يأتي إليك، وإنما لكي آتي إليك، أكتب وأتابع كتابة ما يطوف بقلبي"، هذه الكلمات ليست لأديبة ولا شاعرة، وإنما هي لامرأة أَحَبَّتْ رجلا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهي لـ"سوزان طه حسين"، وقد كتبت هذه السطور في كتابها "معك"، وهو أول وآخر إصدار لها، وقد كتبته، لكي تخلد تاريخها مع الرجل الوحيد الذي أَحَبَّتْه وتزوجته، ولكي تطرح على القارئ وجهًا آخر، لا يعرفه عن شخصية عميد الأدب العربي "طه حسين"، فعندما قرأتُ هذا الكتاب، وخاصة هذه السطور القليلة، أول ما انتابني من شعور، هو هل يمكن أن يصل الحُب بإنسان لدرجة أن يتحول لأديب، دون أن يدري؛ لأنه كان يعيش بالفعل مع أديب، ولكن الإجابة لا يمكن أن تكون "نعم"، بشكلها المطلق؛ لأن كل زوجات الأدباء لم يُصبحن أديبات، ولكن هذه العلاقة كانت لها طابعًا خاصًا جدًا، فعلاقة "طه حسين" بزوجته "سوزان" أبت أن تستسلم لأي مُنغصات أو عقبات، فلم يكن اختلاف الديانة أو الجنسية أو الثقافة أو حتى السلامة الجسدية، يمكن أن تقف حائلاً دون استمرار حبهما، فهي المرأة الفرنسية الجميلة المسيحية، أَحَبَّتْ هذا الرجل الكفيف المسلم المصري الريفي، لدرجة أنها أصبحت النور الذي يتلمس به الأشياء، ورنين صوتها هو الذي كان يُشعره بجمال الكلمات، وعندما فارق الحياة، كأن روحها فارقت جسدها، لتذهب معه، فلو ركزت يا عزيزي القارئ في سطورها، لأدركت أنها تعيش معه بخيالها، وتستعيد ذكرياتها معه بشكل مادي، فهي بالفعل تذهب إلى ذات الأماكن، وتُعيد ذات الرحلات، وأظن أنها كانت تُعيد على مسامعها ذات الحوارات، والذي يُدهشني هو، لماذا لم يعد لهذه القيمة من الحُب وجود على أرض الواقع، ومن يُريد أن يُكرر التجربة، ويتغاضى عن كل الفوارق، ويُحب أن يتخطى كل العقبات، إما أن يُتهم بالجنون أو بالخيال، وكأننا نأبى على أنفسنا أن نجد من يُحبنا بمنتهى الصدق في حياتنا، وبعد رحيلنا، أو نأبى أن نُحب لدرجة التقديس، آه لو نعرف أن الحياة بكل ما فيها من نِعم وأشياء ونجاحات، لا تُساوي لحظة حُب صادقة، أو قصة حُب حقيقية، تكون هي السند والمأوى والأمل، حتى بعد الموت.
ونسيت أن أذكر أن هذه المرأة دونت اسمها على الكتاب "سوزان طه حسين"، فهي نسبت نفسها بالكامل لزوجها، وحبيبها، فلم تُدون اسم عائلتها؛ لأنه أصبح هو كل عائلتها، هكذا يكون الحُب.