"أين أنت"؟!..
“-لا أدرى، محاط بكومة بشرية تتنفس الماضي، وتستهلك الحياة، وتتشاجر فى كل تفاهات العالم..!” " من صور المحبطين”
انتباه.. عندما يكثر الضجيج من حولك بأصوات ناقمة لا ترى سوى الحزن والبؤس ناكرة فضل الله ونعمته “فلا تلتفت إليهم”، فحتماً هناك من النعم التى أفاض بها الله علينا والتى تستحق الذكر، والتى تناسيناها فأصبحنا نتلذذ بذكر كل ما هو محبط ومحزن!
فإن كان لقضايانا وقت لابد منه وحقاً إلزاماً علينا أن نتفاعل معها بمنتهى الإيجابية والصدق، حتى وإن أصبح بعضها فى كثير من الأحيان يتفاقم ويتعدى حدود الاستطاعة فلا يكون حيلة لنا حيالها سوى بأضعف الإيمان، وهو ؛ شعور القلب بالاستياء واللجوء لله بالتضرع والدعاء.. ولكن مع ذلك علينا أن ننح الأسى جانباً ولو قليلا، ولنكن يد عون لمن حولنا وشعلة أمل تنير ظلمتهم التى ربما هى أحلك من واقعنا الذى لا نراه سوى مريراً طيلة الوقت! أعتقد أنه لا داعى لأن نحبط الآخرين بكلمات بائسة بين الحين والآخر بحجة نقل الواقع ومناقشة مشاكله ومعايشتها، فلا أرى إلا أن ذلك تسبب لنا فى انقسامات غير مبررة، فالكل انقسم ما بين محلل سياسى وآخر اقتصادي، وآخرين مفوهين عن القيادات الأمنية فيما يخص أمن البلاد وأمانها! ومنهم من نصب نفسه مفتيا للديار! ونسينا..”أن أجرأكم على الفتوى؛ أجرأكم على النار” فإن كنت تبحث عن دور لك هاماً وفعالاً فى المشاركة الحياتية، فلتفعل ولكن بجانب تفاعلك وبحثك عن حلول ودورك كإنسان إيجابي، عليك بالكلمة الطيبة، حتى لو كنت ترى الحياة تعيسة، فالجميع يعيها جيداً ومعايش لها مثلك، ولكن لن يضر أن يكون هناك ولو القليل من الأمل فى كلماتنا.. فإما أن نساعد بَعضُنَا البعض ولنقل خيراً أو لنصمت قليلاً، فنصف الحكمة أحياناً فى الصمت، والمقصود هنا هم الذين لم يحيطون علماً بحقائق الأمور، أو حتى لمن لا يملك من العلم إلا قليل مما يجعله فى شك من أمره، فلا تصبح أراؤه إضافة لغيرهم، بل تشتيت لأفكارهم حتى يفقدوا هم الآخرين ما تبقى لديهم من قناعة فتصبح رؤيتهم مشوشة معتمة من كثرة اللغط وتداخل الحق مع الباطل..
وتساؤل يطرح نفسه؛ ما لنا أصبحنا ناقمين؟! ألا يوجد فى كل ما يحدث من حولنا ما يستحق الثناء لنصتبر به سوياً! أفلا نذكر بَعضُنَا بها ونملأ الكون شكرًا وحمداً على ما نملك من نعم، كما نملأه صخب بما لا يرضينا أو يتفق مع ميولنا! فربما تأتى السعادة التى نرجوها من هنا، ألم يعدنا الله سبحانه ﴿ولأن شكرتم لأزيدنكم﴾ وكما قال:﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.
فإن كان هذا واقعنا جميعا، وكلنا محاطون بهذا المناخ الذى فرضته علينا الظروف من ناحية، كما فرضه علينا أيضا المحبطون من ناحية أخرى، فبإمكاننا نحن الآخرين حماية أنفسنا، وأن نتعامل مع واقعنا برؤيتنا فقد خلقنا ونعلم جيداً أننا فى جهاد طيلة الوقت بمثابة اختبار وعلينا أن نجتازه بصعبوباته، ولن ننال جزائه سوا بإحدى الحسنيين ؛ إما بالصبر والمثابرة، أو الرضا والتسليم بعد بذل كل ما لدينا من قوة وإيمان ويقين ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وأخيراً .. فلكل منا حيز ومساحة خاصة جداً، نستطيع أن ننفرد فيها بقناعتنا نحن فقط.
لذا.. فانتبه دائماً “أين أنت؟!” من ذلك الحيّز فإن وجدته قد امتلأ بتلك الأصوات والكلمات المحبطة الناقمة؛ فقم ببناء حصنك حول هذا الحيّز ولا تسمح لتلك الإحباطات أن تخترقه فتكاد فى يأسهم تسقط دون أن ترغب؛ وتجد نفسك أنت الآخر لدور الضحية يتأهب؛ واستبشر برحمة ربك الأقرب، وسر بقلبك إليه ولا تُعقب”.