لا يختلف اثنان على أن الغيرة الزائدة بلوة كبيرة ونكبة ضخمة، تحطم العلاقات وتقضى على الود وتنسى الطرف المفعول به مزايا الطرف الفاعل.
كما لا يختلف اثنان على أن الحكمة والتعقل والتصرف باتزان ميزة كبيرة وإيجابية، فصاحبها يتعامل بعقل واحتواء، فلا يثور على أمور تافهة أو مواقف عابرة، فيقيم الدنيا بسبب كلمة أو نظرة ويتركها واقفة لساعات أو أيام أو كما شاء .
الغيور من وجهة نظرى قليل الثقة بنفسه وبغيره، لديه من فراغ الوقت والعقل ما يعينه على افتعال القصص والأفلام دون مبرر كافى أو سبب وافى.
تعجبنى المرأة الواثقة ؛ التى تنأى بنفسها عن البحث فى هاتف زوجها المحمول أو التلصص على مكالماته أو ملازمته فى كل تحركاته، تربأ بنفسها عن البحث فى ملابسه عن آثار خيانة أو أى عقاقير من أى نوع، تخشى عليه من كل أصدقائه ومعارفه، وانما تتعامل على أساس أنه رجل مسئول عن أفعاله وسيتحمل نتائجها بمفرده وسيحاسب كذلك أمام الله بمفرده، فلماذا اذا " قلبة الدماغ؟ ".
كذلك يعجبنى الرجل الواثق، الذى لا يضيق على زوجته فى اللباس والخروج إلى العمل ،أو فتح الباب والرد على الهاتف، وكأن رجال العالم أجمع ينتظرون خروجها من البيت أو فتح فمها بكلمة أو سماع صوتها.
ما دفعنى لكتابة هذا المقال، هو هذين النموذجين الحكيمين الناضجين الذين يتعاملان بثقة تامة فى أنفسهم وفى الغير.والذين من الخسارة الكبيرة أن نفقدهم أو نجبرهم على تغيير هذا الفكر الحصيف الرشيد بسوء أفعالنا، سوء افعالنا التى تتجلى واضحة فى سوء فهم هذا الرشد وهذه الحصافة .
فالتعقل فى ابداء المشاعر والتحكم فى الانفعال، لا يبرر للطرف الآخر أو لأى شخص، الانحراف أو اغفال احترام هذا النموذج، بمعنى اننا أن كنا بصدد نموذج لا يستعرض النخوة والشهامة بشكل زائد ولا يميل إلى افتعال المشاكل ويقنن انفعالاته ويحسب ردود أفعاله، فهذا لا يعنى اهمال مشاعره ( مشاعرها) كلية، فيصبح من الطبيعى التساهل الزائد من الطرف الآخر او من أصدقائه ( أصدقائها) او جيرانه ( جيرانها)، على اساس انه( انها) عاقل ( عاقلة) .
فمن البديهى أن كل زوجة متزوجة رجلٱ وليس معجون أسنان، وكل زوج متزوج امرأة وليست فردة جورب، وأن كلٱ منهما يشعر ويحس، حتى وإن لم يبدى انفعال واضح.
إننا كذلك نكون قد أخطأنا فهم حكمة هؤلاء وجعلناهم يندمون على أنهم نضجوا وتعقلوا يومٱ.
فالحكماء السديدون ليسوا بلهاء وسذج، واجبنا الحفاظ عليهم من أجل مصلحتنا نحن، وإلا ندمنا على تحول رشدهم وحسن تصرفهم إلى جهل وشر بنفس قدر ما كان لديهم من رشد .
فلو تبدل هؤلاء من حال النضج إلى حال الرفض والشجب، فلا نلومن إلا أنفسنا.