استقرار أى مجتمع ونهضته مرهون بمدى شعور أبنائه بالانتماء لهذا المجتمع وبمدى ترابط أفراده وتعاونهم، وكى يتحقق هذا فلابد أن تتقارب الحلقات التى يقوم عليها البناء المجتمعى مع العلم أن أخطر ما يبعث على اليأس والإحباط فى نفوس الأفراد الاختلال فى توزيع ثروات المجتمع الذى يؤدى إلى زيادة الفقراء فقرا وزيادة الأغنياء غنى، وما ينتج عنه من فقر مدقع، يقابله غنى فاحش يتحقق معظمه بممارسات غير مشروعة، فى ذات الوقت الذى تتزايد فيه الأعباء العائلية والمالية لتثقل كاهل الأسرة وتزيد بالتالى الضغوط النفسية، بما تزرعه من يأس لدى أفراد المجتمع وخاصة الشباب الذى يشعر بدائرة المشكلات تضيق حوله فلا يجد أمامه إلا التمرد أو الهروب من الواقع والانسلاخ من جلده.
وننعى على بعض وسائل الاعلام تقصيرها فى نشر الوعى والحض على مكارم الاخلاق، واستبدالها ببرامج تافهة تخلوا من القيم النبيلة والفضائل وتشيع ثقافة الانتهازية والوصولية، والركض وراء السراب والمظاهر الخداعة، لتصنع جيلا مهووسا بأحلام الثراء السريع، فيسعى للحصول على المال بكل الطرق، المشروعة وغير المشروعة فالغاية لديه تبرر الوسيلة، وبالتالى كما يقوم رأينا صراعاً محموماً على اكتناز المال والاستئثار به ليثير أحقاد الاخرين ويبدد الأمل فى نفوسهم .
إن النظرة الضبابية لدى البعض تحمل نوعاً من فقدان الثقة بالنفس وعدم وضوح الرؤية وتعكس محدودية الايمان وعدم الثقة بالله حاشا لله رباً قديراً مدبراً حكيما.
تلك النظرة القاصرة تعود فى المقام الأول إلى انحسار التعليم الدينى فى المجتمع بحيث صار تدريس الدين هامشيا بشكل لا يدفع الشباب أو يحفزهم على تحصيله والإلمام به، فينشأ الشاب فقيراً روحياً قبل أن يفتقر ماديا خاصة فى ظل الغياب الواضح للقدوة، وبالتالى فقد الشباب الدليل وحاد عن الطريق.
أجيبونى بربكم كيف يتأتى لنا كشباب أن نكون نافعين لأنفسنا وأسرتنا وأمتنا وحصيلتنا من التعليم الدينى لا تكاد تُذكر، فى ظل هذا العصر الذى تحيطه الإغراءات المادية من كل جانب، خاصة مع إنتشار الفضائيات وتشعب شبكة الإنترنت بما فيها من مواد ومواقع تنشر ثقافات تخالف ثقافتنا، وقيماً جديدة تحمل السم فى العسل لتجذبنا وتستقطبنا .
إن تنامى الشعور بالعجز لدى الكثير من الشباب والإحساس بأنه لم يعد يمثل إلا رقماً ضمن ملايين الأرقام غيره تشاركه نفس حالات الشعور باليأس وفقدان الأمل فى المستقبل المنظور، ومع عدم وجود إستراتيجية واضحة لعلاج الأزمات، والإكتفاء بالمسكنات دون الحلول الجذرية ومن ثم ترحيل المشكلات وتأجيل حلها سيزيد من تراكم هذه المشكلات وبالتالى تعميق الأزمات وتعقيدها بدرجة يصعب معها العلاج .
كما أن انتشار الواسطة والمحسوبية بشكل لافت للنظر حتى أصبحا جواز المرور لسوق العمل، أدى إلى فقد الكثير من الشباب الثقة فى المجتمع وفى أنفسهم وفى كافة الوعود التى يطلقها المسئولون . وبالتالى تولدت مشكلة من أخطر المشكلات التى قد يصاب بها مجتمع، وهى الاغتراب داخل الوطن وما تبع ذلك من تراجع الانتماء وفقدان الإحساس بالاستقرار .