هل شعرت من قبل بالحزن على شخص كان يعاملك بقسوة؛ لأن الزمان بَدَّل قوته إلى وهن وضعف؟! في الواقع، رغم أننا نكره المعاملة القاسية، وننفر منها بشدة، حتى لو كانت من أقرب المقربين لنا، وحتى لو كان الهدف منها مصلحتنا، إلا أننا أحيانًا نحزن عندما نجد هذا الشخص قد هزمه الزمن، ونال منه، وغدر به، ونتمنى حينها أن يستعيد قوته ثانية ، حتى لو كانت هذه القوة ستنال منا ، وربما تُؤلمنا ، وهذا الشعور يتأتى مع الأشخاص الذين نُحبهم لدرجة أننا نُؤْثِرُ احتمال ما يُسببونه لنا من آلام على أن نراهم في حالة ضعف وحزن، فهذه حقًا معادلة صعبة للغاية، ولكن لا يشعر بها أو يُحققها إلا صاحب القلب النبيل .
وهذا يُذكرني بأم كانت تضرب ابنها كل يوم أمام الناس، وكان الابن يتحمل ولا تنزل منه دمعة واحدة، ولا يتلفظ بأية كلمة لأمه، واستمر الأمر على هذا الحال فترة طويلة، وفي يوم من الأيام، وبينما كانت أمه تضربه كعادتها، أجهش بالبكاء، وبعد أن انتهت أمه وذهب، أسرع إليه الناس، وقالوا له: "ما الذي أبكاك اليوم؟ وأنت الذي لم تبكِ طوال الأيام الماضية، مع أنها تضربك بنفس الأسلوب؟"، فقال: "شعرت اليوم بأن أمي قد هَرِمَتْ ووَهَنَتْ، وأن قوتها قد ضعفت".
وهذا هو ما أعنيه، أن حبنا لأحد الأشخاص قد يجعلنا نتألم إذا شعرنا بأن الزمان قد دار عليه ودَبَّ في جسده الوهن ، حتى لو كان هذا الإنسان يؤلمنا أحيانًا ، فربما كان إيلامه بُغْية تحقيق مصلحتنا، ولكنه أخطأ في التعبير أو التنفيذ ، ولكي نستطيع التوصل إلى هذه النتيجة، وهذا الإحساس، لابد لنا أن نُحقق المعادلة الصعبة بين مشاعرنا تجاه هذا الإنسان ، وبين فلسفة ما كان ينالنا منه من ألم .