ارتفاع أصوات أصدقائى بشكل ملفت جعلنى أهرول وكأننى مقبل على معركة حربية اشتد وطيسها، وما إن اقتربت منهم حتى وجدت أن تلك الأصوات والانفعالات ما هى إلا نقاش قوى يدور بينهم وكل واحد منهم يريد أن ينتصر لرأيه، فقد تعودنا على مثل هذا، فللأسف الشديد تحول الإقناع عندنا لمن يمتلك أعلى صوت وليس ذلك وحسب بل يتحول من يناهضنى الرأى إلى خصم بكل معانى الخصومة.
للأسف مازلنا لم ندرك ثقافة الاختلاف التى هى من أهم أسباب التعايش بين الناس بل أننى أطالب أن يتم تدريسها فى المدارس بداية من المرحلة الإلزامية نظرا لأهميتها وذلك مع بداية إصلاح منظومة التعليم الذى مازال حقل تجارب وحتى ألان متروك لأصحاب (التفاكير النيرة) الذين أصابوا الأجيال السابقة فى مقتل.
ونعود إلى أصدقائى وهذا الصخب الذى أحدثوه بأصواتهم المرتفعة قبل أن يتحول الأمر إلى تبادل اللكمات، فاطلب منهم الهدوء لاستمع لوجهات نظرهم وسبب هذا النقاش الحاد فأجده صخب سياسى طبيعى تماما بعد مرور مصر بمرحلة هامة من عمرها فقد انطلقت الألسن بعد سكوتها طويلا فما كان من تلك الأفواه إلا البوح بمكنون انتظر انطلاقه سنوات عجاف أجبرت معظم الناس على المشى بجوار ( الحيط ) وإليكم بعض من حوارهم الحاد
الأول. ماذا تغير بعد كل المعاناة التى مر بها الشعب ؟ فقد بدأت بثورة أبهرت العالم ثم تبعتها ثورة لتصحيح المسار ولكن لم نجنى ثمار الأولى ولا الثانية فكما هو القول المعروف ( يبقى الحال على ما هو عليه ) لم يتم محاربة الفساد كما تمنينا ولم تتوقف المحسوبية و( الواسطة )، فمازال الفساد الموروث يرتع فى وطن تحمل الكثير من فساد مجموعة من المنتفعين والوصوليين
الثاني. يا أخى لا تحمل الأمور أكثر من طاقتها فهل تريد أن تصلح فى أيام ما تم توارثه سنوات وسنوات من فساد وفشل ؟ فهذا الكلام غير منطقى فالدول التى تقوم فيها ثورات تمكث سنوات حتى تعود للمسار الطبيعى، ثم إنك لو تابعت عن قرب لوجدت أن هناك مجهودات تبذل من أجل إصلاح المسار ومحاسبة كل من تسول له نفسه أن ينهب ثروات هذا البلد بل وتسترد الدولة الآن أملاكها من مغتصبيها
الثالث. أنا ( مش عايز كلام انشا ) أنا احتاج لوطن يتساوى فيه الجميع ولو فى الظلم، لا أريد تفاوت فى المعاملة، فيجب أن يكون الجميع سواء فى الحقوق والواجبات فقد ثار الشعب منذ أزمنة على نظام الأسياد والعبيد، (فحتى) عندما صدر قانون يقارب من المساواة بين الناس (قانون الحد الأقصى للأجور) وقف أهل الحظوة فى وجهه حتى يحافظوا على مكتسباتهم.
ثم يتساءل هل من الطبيعى أن يخرج موظف على المعاش فيجد مكافأة نهاية الخدمة دراهم معدودة لا تكاد تسد رمق أولاده أيام محددة فى حين يجد غيره مئات الآلاف فى انتظاره فيبدأ بها حياة جديدة، ويستطرد قائلا ( الثورة يا أخى عندما قامت لم تقم على أشخاص فقط بل قامت لإحساس الناس بالغبن من أمور كثيرة كان أولها القوانين المصنعة التى تخدم فئة معينة ثم البحث عن العدالة الاجتماعية قبل العيش والحرية )
معكم كل الحق يا أصدقائى، لكنى استمع إليكم من الماضى فجميعكم تحدث عن الماضى بكل ما فيه من المرارة ولم يحادثنى احد عن الحاضر والمستقبل، بالتأكيد أن كل ما ذكرتم قد حدث بل ومازالت آثاره ملموسة فى حاضرنا وكل ما نتمناه ألا تستمر فى المستقبل، ولا أطالبكم بأن تنتظروا كثيرا مثل ما حدث سابقا وكل ما ارجوه فقط الصبر القليل حتى تنكشف الغمة التى تحيط بالأمة من حرب هنا وقتل هناك وربيع عربى تحول لخريف قاتل أودى بحياة زهور تفتحت.
هيا يا أصدقائى نذهب للمستقبل يملأنا الأمل والتفاؤل ولكن ليس بالسلبية السابقة فهذا الوطن ملك للجميع ويتسع للجميع ويحتاج مجهود من الجميع، وكل ما علينا فعله هو البناء والبحث فيما علينا من واجبات ثم نطالب بالحقوق فمصر تمر بمرحلة دقيقة من عمرها فى وسط منطقة تموج بالفتن، وعندما تستقر الأوضاع ساعتها لن يصح إلا الصحيح وميادين مصر تذكر دائما كل من يتعدى حدوده مع هذا الشعب.