كانت وحتى أشهر قليلة تعيش سيدة عجوز فى غاية الاحترام والطيبة، لديها من الأبناء سبعة، ستة منهم رجال ونساء محترمون، وواحد منهم وعلى الرغم من كبر سنه ؛ " هلاس على الآخر ".
وكانت هذه السيدة تبذل جهودا جبارة لإصلاحه أو اثنائه عن انحرافاته المختلفة والدائمة ولكنه لم يستطع مفارقة الخمر والمخدرات والنساء، وزد على ذلك بالطبع تقصيره التام تجاه زوجته وأبنائه.
وعلى الرغم من أن هذه الأم كانت قد قاربت على الثمانين وهو قد شارف على الستين، إلا أن سلوكه وأفعاله كانت شأنها شأن شاب العشرين أو الثلاثين، لم ينتبه إلى أن ما تبقى من عمره أقل مما ذهب، وأن عليه الاجتهاد لجمع كل ما ينفعه فى آخرته وليس دنياه.
أشد ما كان يؤثر فى نفسى، انكسار أمه الدائم أمام زوجته وأبنائه وكل من يعلم ببلواه، وشعورها بالمسئولية الكاملة عن انحرافاته جميعها، حتى بعد أن بلغ الستين، وهكذا تكون أفضل الأمهات .
وفى قمة انحلاله وانحرافاته النادر أن تقابلها فى شخص واحد مجتمعة ؛ توفى الله أمه وهى فى أشد حالات الغضب والحسرة على حاله وتركته وحيدا، حيث لم يكن أحد يتحمله ولا حتى يرد عليه السلام إلا هى.
والغريب والمستفز أن هذا الرجل ومنذ اليوم الأول لوفاة امه، بدى عليه علامات الصلاح والهداية وظهرت عليه بوادر اليقظة والصحوة، فضعف تمسكه بالحياة بوجه عام، كره المال والخمر والنساء، التزم فى عمله الخاص الذى كان يضيع مكاسبه وأكثر على خيبته وسوء أفعاله، وسار فيه خطوات سريعة معتمدا على خبرته القديمة .
ليته لحق أمه قبل أن تتركه وهى غارقة فى الشعور بالخزى بسببه.
حقيقة لا أشعر بالأسى والشفقة عليه حتى وإن لم تجف دموعه عليها حتى اليوم وبعد انتهاء حوالى سبعة أشهر على وفاتها، لأنى لا أنسى صورتها وهى تتوسل إليه وبشكل شبه يومى، أن يتوقف عن قاذوراته حتى من أجل نفسه، وهو لا يجيب.
كما لا أشفق على من تأخر طويلا معتقدا أن الجميع رهن عودته، وخاصة أنه تأخر عمدا وبشكل مقصود وبمنتهى الرعونة وعدم الاكتراث إلا بنفسه، وضحى بالجميع فى مقابل نزواته التافهة التى لا تتجاوز الواحدة منها ساعة الزمن.
عش نادما، ومت وحيدا، وادفع ثمن اختياراتك.
صديقى؛ هل تعاطفت معه ؟