لم تكن طبيعته أن يأكل خارج بيته إلاّ ما ندر، وللإفطار طقوس خاصة يحرص عليها لا يتخلّف عن شعيرة منه أبدا .
حتى يوم أمس صباحا، خرج وقد نسى أن يتناول إفطاره وربما لم يشعر بجوع على غير عادته، انطلق فى طريقه المعتاد حتى وصل لناصية ميدان يستقل منه سيارة أجرة لعمله، لفت نظره عربة فول يتحلّق حولها جمع غفير من الناس، فاندفع مزاحما بمنكبيه وقدميه ساعدته نحافته فى المرور بين الزحام حتى وصل لصاحب العربة، الذى كان يعتلى حجرا كبيرا يشرف من مكانه على الجمع ويُعمل يديه بصمت فى تقديم خدماته للزبائن ما بين " ساندويتشات " جاهزة يأخذونها وينصرفون كأنما فازوا بغنيمة حرب، أو أطباق صغير من " ألومنيوم " يضع بكلّ منها غرفة من الفول الطازج الساخن يزيّن وجهه بزخّة من زيت الطعام وتوابل تضفى على الطبق رائحة يسيل لها لعاب أعتى الرجال .
أخيرا وصل لمبتغاه، نظر له البائع متسائلا عن طلبه، فالوقت لا يتسع لحديث أو استرسال فى كلام هو مضيعة لوقت ثمين للطرفين فأومأ لطبق فارغ، ثوان وناوله إياه البائع ومعه رغيفين من خبز أبيض ساخن فأنزوى بغنيمته بجوار العربة ثم أعمل يديه وعينيه وفكه حتى امتلأت معدته وشعر براحة بعد ألم جوّع راوده وهو يمر بجوار العربة.
نقد البائع ثمن الطعام ثم استأنف طريقه وبدا له أن الجو قد اختلف عن ذى قبل وأدرك أن للحياة وجوها أخرى غير ما يعرفه منها .