ولدت بعد ثورة يوليو 52 بثلاث سنوات ، فتأثرت بالجو الثورى الذى ملأ أركان مصر والأمة العربية فى ذلك الوقت من خلال سماعى للأغانى الحماسية لمطربينا الكبار العظام وخطابات الزعيم التى كنا نلتف حول المذياع الوحيد الموجود فى شارعنا بمحل بقالة على أوله فيضعه صاحب المحل فوق كرسى أمام بابه ونجتمع صغارا وكبارا شيوخا وصبيانا رجالا وحريما لنسمع أبو خالد بصوته الحماسى المميز وننفعل لكلامه ونصفق له كأنا نراه، وعند التحاقى بالمدرسة عام 1960 تشربت أكثر بالوطنية وتمجيد الزعيم من خلال تحية العلم كل صباح ومناهج التربية الوطنية وخيالات أترابى تلاميذ المدرسة فكنا نختلق القصص حول قوة وقدرة جمال عبد الناصر فهذا يتحدى أن يضع إنسان أصبعه على حائط فيميله ويسقطه ، أو يركل جبلا بقدمه فيزحزحه؟؟ لا أحد يقدر!! فقط جمال من يستطيع أليس هو من طرد الملك؟؟ ألم يطرد الإنجليز؟؟ أليس هو من هزم فرنسا وإنجلترا وإسرائيل؟؟ ألم يؤمم قناة السويس؟؟ أليس هو رئيس مصر وسوريا ؟؟ ألم يضغط على زر صغير ففجر الصخور لتبنى مصر السد العالى ؟؟ وبطولات أخرى كثيرة كل يوم كنا نعاصرها ونراها ونتفاعل معها فى مدارسنا.
هذا ما استقر فى وجداننا صغارا ، ثم جاءت حرب 67 واحتلال إسرائيل لسيناء وتدمير قوتنا الجوية بالكامل وما تلاها من أحداث التنحى ووقوف الشعب كله وراء الزعيم وخروجنا عن بكرة أبينا هاتفين: " شكرا شكرا يا زكريا.. عبد الناصر مية المية"، بعد أن رفض زكريا محيى الدين أن يحل محل عبد الناصر ، واستجاب البطل وقرر أن يتحمل المسئولية من جديد ، وبدأ إعادة بناء قواتها المسلحة وحروب الاستنزاف ، ثم جاءت أحداث أيلول الأسود كما سميت فى سبتمبر 1970 فدعى للقمة آنذاك فى القاهرة ولم ينم ثلاث ليال حتى تصالح عرفات والملك حسين وبعد انقضاء القمة حدث ما حدث وتوفى الزعيم بعد توديع آخر أمير من أمراء العرب، وتألمنا جميعا فنعاه الأعداء قبل الأصدقاء ، وقتها كان عمرى خمسة عشر عاما ، وأحسست كما أحس كل مصرى صغيرا كان أم كبيرا أننا فقدنا الأب والسند؟؟ وبينما كان الملايين فى القاهرة يمشون وراء نعشه فى يوم الخميس التالى لوفاته، كان هناك فى كل محافظة ومدينة وقرية ونجع جنازة رمزية ، فأحضرنا نعشا ولففناه بعلم مصر وطفنا به كل شوارع وحارات قريتنا ونحن نردد باكين ، وكأنه ماثل فيه : الوداع يا جمال يا حبيب الملايين ، نعم بكيناه نحن الشباب والأطفال ونحن ندفنه فى مقابرنا صورة بينما يدفن فى جامعه بالعباسية حقيقة؟؟ وكيف لا نبكى وقد مات حبيب الغنى قبل الفقير ، نعم بكيناه وحزنا عليه وكيف لا نحزن وقد مات من لولاه ما تعلم أولاد الفقراء وما تحرر الفلاح من نير الإقطاعى وما أصبح للعامل فى المصنع كيانا والآن وانا ومن عاصره طفلا فى العقد السابع من عمرنا وبالرغم من استغلال أعدائه وأعداء مبادئه لموته وتملقا لكل من جاء بعده فى كل العهود _ اللهم إلا عهد السيسى، فأطلقوا الأكاذيب وكالوا الاتهامات له رغبة فى النيل من حب المصريين له، إلا أننا نحن المصريين المخلصين الذين ليس لهم طموحات سياسية قد زاد حبنا له وتقديرنا لمجهوداته ولا شك أن كل من حاربه قد رأى شبابنا الذين لم يروه وولدوا فى الثمانينات والتسعينات يرفعون صوره فى أحداث يناير و30 يونيو ، فالله جل جلاله قد آل على نفسه أن ينصر الحق ولو بعد حين ، فهنيئا لك يا ناصر فى الذكرى المئوية لمولدك حب الناس حيا وميتا رغم أنف الحاسدين الحاقدين الجاحدين وطبت وطابت ذكراك وسلام عليك فى الخالدين.