قد عنى ديننا الإسلامى بالعلاقات الأسرية والاجتماعية وأولاها اهتمامًا كبيرًا.
كما أنه دين يدعو إلى المحبة والألفة والأخوة، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المؤمنين فى تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»، ودعا إلى ترك ما يضاد هذه المعانى من كره وتباعد وتباغض، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا».
ولتأصيل هذه المعانى الجليلة وترك ما يضادها، فقد دعا إلى الوسائل التى تتحقق بها هذه المعانى، بالدعوة إلى الإحسان بالناس، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومن هذه الوسائل التى تتحقق بها معانى الأخوة والتحاب والتواد الهدية، حيث جاءت النصوص التى فيها الحث على التهادى، وبرر هذا الحث بأنها جالبة للمحبة، ومذهبة للشحناء كقوله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» وبأنها مذهبة لوحر الصدر كقوله صلى الله عليه وسلم «تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر».
فالهدية رسالة رقيقة، تحمل بين طياتها كثيرا من معانى المودة والألفة، وتساعد على تعميق الروابط الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء وتطفئ نيران الضغائن، وتحل أعقد الأزمات والمشكلات والنزاعات، فللهدية عظيم الأثر، وجسيم الخير فى استجلاب المحبة وإثبات المودة وإذهاب الضغائن وتأليف القلوب.
والهدية ليست مجرّد شىء يُمنح بل هى طقس اجتماعى ومستحسن شرعى وذلك لأنها تُعزّز مبدأ العطاء والمنح الذى يعبّر عن مشاعر نبيلة جياشة ونفس سخية كريمة، وكثيرا ما تغنى الشعراء بالهدايا سواء كانوا قدموها أو قُدّمت إليهم تعبيراً عن كرمهم أو كرم الواهب فى أسلوب فخرى أو مدحىّ. فهى أكثر الأشياء رغبة سائقة السرور إلى نفس كل من يتلقاها مهما كانت مكانته الاجتماعية وذلك لقيمتها الرمزية وما تتضمنه من تقدير ومحبة وما تعنيه من اهتمام.
وعندما نقدِّم الهدية لا نقدِّم فقط الشىء بل إننا نقدِّم جزءًا من أنفسنا ومن مشاعرنا، فالهدايا تواصل دون استعمال اللغة، بل هى لغة أخرى بحروف نسجت من المحبة والألفة والود والتفانى.
وأخيرًا نقول ..
الهدية كالابتسامة، مفتاح من مفاتيح القلوب وسرّ من أسرار المودة فلنغتنم مزاياها ونجعلها رسول بيننا.