هل سألت نفسك فى يوم من الأيام ماذا تمثل لك الحرية؟ وهل مفهوم الحرية فى نظرك هو نفس مفهوم صديقك الذى تناقشه عن معنى الحرية لديه؟ أم أن هناك اختلافا بين منظورك للحرية ومفهوم غيرك لها؟ هل تتابع مستوى الحريات فى العالم وتقارن تلك المفاهيم بما يحدث فى الشرق الأوسط مثلاً؟ هل يطبق دعاة الحريات فى الغرب على وجه التحديد ما يسمونه حرية وديمقراطية فى بلادهم على نطاق العالم العربى والإسلامى أم أنهم يصدرون لنا أشياء أخرى مثل اختراع السيدة (كوندليزا رايس) ما يسمى (الفوضى الخلاقة) المغلفة بمعانى هابطة للحرية التى يريدون تطبيقها علينا فقط؟
عفواً عزيزى القارئ، إن كنت قد أرهقتك بالأسئلة فقد بحثت عمن يشاركنى دهشتى وأنا أراقب عن كثب مفهوم الحرية الذى أصابه الخلل إن كان بيننا على المستوى المحلى أو على المستوى العالمى، فعلى مستوى الأشخاص مثلاً فى بلادنا هناك خلل فى معنى ومفهوم الحرية، فالحرية فى وجهة نظر (الكثير) هى أن أفعل ما أشاء فى الوقت الذى أريد بلا حسيب أو رقيب، وهذا الأمر بالتحديد هو ما جعل هناك خلل (قيمى) أصاب المجتمع.
فلم يتعلم مثل هؤلاء المعنى الحقيقى للحرية التى تحملك المسئوليات بقدر ما تمنحك مستوى راقيًا من الديمقراطية، ففيها تنتهى حريتك عند بداية حرية الآخرين مما يؤصل لديك أهمية احترام حقوق الغير، ويترتب على ذلك أن يوقن الجميع بالمعنى الحقيقى للحرية الشخصية التى تؤصل بدورها إلى ديمقراطية حقيقية تجعلك تحترم آراء الآخرين حتى لو خالفوك فى الرأى، طالما أن هذا الأمر لم يقتص من حقوقك التى منحتك إياها الحرية الحقيقية.
أما على المستوى العالمى فحدث ولا حرج، فتلك كانت صدمتى الكبرى، فلم أكن أتصور أن تتحول الدول التى تحمل راية الحرية وتقاتل من أجلها بل وتفرض العقوبات على الغير فى حالة عدم الالتزام بالحريات أنها تعتبر الحرية سلعة تمنحها من تشاء وتمنعها أيضًا عمن تريد فحرية (أبو كيفو) هى الحرية السائدة عند دعاة الحرية والديمقراطية، لقد أصبحت حرية المصالح هى السائدة بين تلك الدول بل وتتشدق بالحرية والديمقراطية فى بلادها وهى ترى فى نفس الوقت أن العالم الآخر أو ما يطلقون عليه العالم الثالث لا يجب أن تطبق عليه تلك الحريات.
فهل كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس حريتها عندما طغت على حرية العالم أجمع، وهى تستخدم حق النقض أو ما يسمى (الفيتو) لتمنح حقوق ظالمة للكيان الصهيونى؟ هل احترمت معارضة العالم لقرارها؟ أم أن الحرية بالنسبة لها هى فقط ما تعتبره يخدم مصالحها فى أى منطقة من العالم حتى لو كونت أو ساهمت فى خلق كيانات إرهابية لتستخدمها فى الوقت المناسب تحت مسمى الحريات المزعومة، هذا بالتأكيد قليل من كثير وما تصنعه أمريكا تصنعه أيضاً معظم البلاد التى تدعى أنها متحضرة وصاحبة ديمقراطية راسخة.
ولكنها مع الأسف تصنع بالحرية والديمقراطية كما تصنع بأى منتج تنتجه مصانعها، فهى تبقى على المنتج الجيد ليتم تداوله داخل الدولة ثم تقوم على تصدير ما يقارب من فترة انتهاء الصلاحية أو المنتج (المعطوب) لمن يستحقه من العالم الآخر بل وتسوق له بأشكال مختلفة حتى يستسيغه أهل تلك الدول وبهذا تكون قد أصابت الحسنيين ففى الأولى سوقت لمنتجها الردىء، والثانية أنها بثت سمومها التى تستخدمها فيما يفيد مصالحها وتحتفظ لنفسها (بالترياق) لمعالجة السموم إذا أرادت تبديل المنتج
بالتأكيد عزيزى القارئ أن الحرية تمثل الكثير للإنسان (الحر) فهى كالماء والهواء، ولكن الإنسان الحر أيضاً يجب عليه أن يمنح غيره تلك الحرية ولا يحتكرها ففى احترام حرية الآخرين دليل على رجاحة عقلك وتمتعك بالرقى الأخلاقى، كما يجب أن تستقى تلك الحرية من ربك الكريم ودينك القويم الذى وضع أمامك الخيرات وترك لك حرية الاختيار حتى فى اعتناق الدين، ولكن عليك أولاً أن تؤدى كل ما عليك قبل أن تطالب بكل ما هو من حقك إن كنت تؤمن بالحرية التى تصبو إليها وتتمناها.