هناك أعداد كبيرة من بنى آدم ، يلهثون وراء التغيير ولو فى أبسط الأمور، إن تسنى لهم التغيير فى أمور أساسية وجوهرية ، كوسائل تحقيق الأهداف ، أو طرق إنجاز الأعمال أو أساليب تربية أبنائهم، فلله الحمد والمنة ، أما إن شق عليهم الأمر وأصبح التغيير فى الأساسيات صعبٱ أو مستحيلٱ ، حاولوا جهدهم أن يغيروا فى أبسط الأشياء ؛ مكان تناول الطعام أو مكان أداء الصلوات ، الطريق الذى يسلكونه أثناء ذهابهم للعمل أو المدرسة، نوعية الكتب التى يقرأونها، هيئتهم الخارجية فلا تكون كلاسيكية على الدوام، ولا (كاجوال) طوال الوقت ، أو يغيرون مثلٱ أماكن الأثاث فى المنزل ولو مرة كل عام.
هؤلاء البشر من الصعب توقع الجديد الذى يبحثون عنه، من الصعب توقع ردود أفعالهم أو موقفهم من الأحداث المختلفة، من الصعب استمرارهم على فكرة جامدة لوقت طويل.
أتصور أن هذا نداء الفطرة وغريزة يولد بها كل طفل طبيعى ، فلا أحد يقبل أن يقتل نفسه بالتكرار ثم التكرار ثم التكرار ثم التكرار .
أتصور أيضٱ أنه لمن المنافى للفطرة الإصرار على الثبات والجمود المستمر والإعتقاد أن المغيرين، مختلين، مجانين أو تافهين.
الجامدون لا يشعرون أنهم فى الغالب ما يكونون منبوذين، وردود أفعالهم كلها متوقعة ومعروفة مسبقٱ، فهم يتصرفون ويتكلمون ويلبسون كما يقول الكتاب، وكما وجدوا آبائهم وأجدادهم، لا يبدعون البتة، ولا يبتكرون، يختنقون بمللهم الزائد ويخنقون من حولهم.
الباحثون عن التغيير والباحثون عن الحياة، كاللاهثون وراء السعادة، يرون الجمود هو الدفن أحياء.
الذى يذهب فى كل العطلات إلى نفس النادى يقابل نفس الأشخاص ويسلك ذات الطريق ويتناول عين الطعام ثم يعود ثانية من نفس الطريق، لكان جلوسه فى البيت أفضل وأوفر.
كذلك من يستذكر دروسه فى نفس الغرفة وعلى نفس المكتب وأمامه نفس الحائط، لا أتوقع منه إنجازٱ ساحقٱ، أو اختلافٱ للأفضل، كل المتفوقين دراسيٱ الذين عرفتهم، يستذكرون دروسهم فى كل مكان وفى أى موضع، على الأرض أحيانٱ وعلى السرير أحيانٱ أخرى، يتأرجحون بالكرسي أحيانٱ ويتمشون فى البيت أحيانٱ أخرى، يذاكرون فى الشرفة أحيانٱ وفى المطبخ أحيانٱ أخرى.
الحرص على التغيير والإصرار على الجمود من أوضح وأقوى صور الاختلاف، فحب التغيير كما يراه البعض تفاهة، يراه البعض الآخر كالماء والهواء !