أسرار القاهرة.. ثورة 1919 شهدت اندلاع شرارة اتحاد الهلال مع الصليب ومشاركة المرأة المصرية للمرة الأولى فى العمل السياسي

الثامن من مارس عام 1919، شهدت القاهرة اندلاع شرارة الثورة وكشفت المجريات عن أسرار القاهرة، بعد أن أمرت السلطات البريطانية باعتقال مجموعة من المنتمين لحزب الوفد وحبسهم في "ثُكنات قصر النيل" إلى أن تم نفيهم في اليوم التالي إلى "مالطة"، ثم انتشرت أخبار نفي أعضاء الوفد في 9 مارس، ما تسبب في بدء مظاهرات الاحتجاج في القاهرة والمناطق الكبرى. ووفقا لكتاب عبد الرحمن الرافعى ثورة 1919 تاريخ مصر القومى من 1919 إلى 1921 أعلن طلاب المدارس الأميرية والأزهر الإضراب العام، وشكلوا مظاهرة كبرى وأنضم إليهم من صادفهم من أفراد الشعب، وفي أثناء مرور المتظاهرين بشارع الدواوين حيث كان يتواجد بعض الجنود الإنجليز أطلقوا النار على المتظاهرين، ما أدى إلى وفاة أول اثنين من المتظاهرين. وحسبما رصد المجلد الثالث من كتاب "هذا اليوم في التاريخ" للكاتبة نجدة فتحي صفوة، ان قرار النفى جاء بعدما قابل سعد زغلول المندوب السامى البريطانى فى مصر، ومعه زملائه سالفى الذكر، وطلبوا منه السماح بالسفر إلى لندن لعرض مطالب مصر الوطنية على الحكومة البريطانية، وكان مؤتمر الصلح منعقدا فى باريس فى ذلك التوقيت، فرفضت الحكومة البريطانية هذا الطلب. اصطف الشعب، واتحدت طوائفه، ولم تعلو كلمة فوق كلمة الشعب وإرادة الأمة، فكانت واحدة من أطهر الثورات العربية فى التاريخ، وأحد أهم ثورات الشعب المصرى على الإطلاق، وكانت الأسباب المباشرة للثورة ربما ترتبط بالزعيم الكبير سعد زغلول ورفاقه، لكن بالتأكيد هناك أسباب أخرى كانت سببا فى الثورة المصرية العظيمة، ولعل العديد من المؤرخين والباحثين ذكروا أسبابا عدة لقيام المصريين فى 1919. أصدرت بريطانيا في 21 مارس قرار بتعين المارشال اللنبي واجتمع بعد وصوله بحسين رشدي وأعضاء وزارته وباقي أعضاء الوفد غير المعتقليين، وطلب مساعدتهم في الحد من هذه التظاهرات، أذاع السلطان فؤاد نداءً إلى الشعب مطالبًا فيه بالكف عن التظاهرات، وأعقبه خبر من اللنبى بالإفراج عن المعتقلين والسماح بالسفر لمن يريد. وأكد المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى، إنه لم يمكن اعتقال سعد زغلول هو السبب الوحيد لقيام ثورة 1919، وإنما كان بمثابة الشرارة التى أشعلت النار فى بركان الثورة، مشددا على أن ميزة تلك الثورة إنها لم تكن ثورة دينية او اجتماعية، ولحسن الحظ إنها كذلك فكلا النوعين من الثورات يفرق بين أبناء الوطن. وعدد "الرافعى" فى كتابه "ثورة 1919" عددا من الأسباب التى أدت انطلاق الثورة، منها أن تذمر الشعب على حالته السياسية، حيث إن الشعب ظل طوال السنين السابقة للثورة ومنذ سنة 1882، فى ذاته يدعو إلى السخط والتبرم، فى نقض العهود والوعود من جانب الإنجليز الدائم بالجلاء، كما كان لتجريد الجيش من قوته الحربية وتعيين المستشارين الإنجليز فى مختلف الوزرات أثر كبير فى غضب المصريين، بالإضافة إلى أن قيام بريطانيا بإعلان الحماية على مصر فى 1914، ساء من مركز مصر السياسى وعظم من سخط الشعب على السياسية البريطانية، حيث عانى الشعب من المظالم فى ظل الأحكام العرفية، والتى ضاع فيها كل حق وأهدرت كل كرامة. فيما يذكر الكاتب رأفت غنيمى الشيخ، فى كتابه "ثورة بلا قائد"، أن قيام الثورة ارتبط باشتعال الحرب العالمية الأولى وإعلان الحماية البريطانية على مصر، وقطع سكان مصر من مراسلة رعايا تركيا وألمانيا والنمسا، كما كان اعتقال سعد زغلول وصحبه فى أوائل عام 1919 السبب المباشر للثورة ولكنه ليس الوحيد. ومن الأسباب الأخرى التى ذكرها الكتاب، ضيق المصريين من استمرار الاحتلال البريطانى للأرض المصرية، وتبرمهم من سلخ السودان من وحدته مع مصر، وإلغاء الجيش المصرى وتعيين مستشارين إنجليز فى مختلف المصالح الحكومية، وتعطيل الجمعية التشريعية، وشل دور الحكومة الوطنية، وتحمل الشعب لمظالم السلطة العسكرية على مضض فى ظل أحكام عرفية صارمة طوال فترة الحرب. اما المؤرخ المصري عاصم الدسوقي: "فإن سخط الشعب المصري ونخبته، تفاقمت مع إعلان الاحتلال الإنجليزي حمايته على مصر في ديسمبر 1914، حيث بات الاحتلال مقرونا بحماية، وصارت مصر بلدا من البلدان الخاضعة للحماية الأجنبية". وأعلنت بريطانيا الحماية على مصر، خلال الحرب العالمية الأولى، فعندما أعلن السلطان العثماني دعمه لألمانيا عام 1914 خلال الحرب، أصبحت مصر التي كانت تحت حكم الخلافة العثمانية من الناحية الإسمية، جزءًا من التحالف ضد بريطانيا، فسارعت قوات الاحتلال البريطاني بخلع الخديوي عباس حلمي الثاني من السلطة، وأحلُّوا محلَّه عمه حسين كامل، ابن الخديوي إسماعيل على العرش، وبإعلانه سلطاناً على مصر، أصبحت مصر "شبه مستقلة"، فأعلنت بريطانيا الحماية عليها. ثم توالت الأحداث، وازدادت مشاعر السخط لدى الأغلبية العظمى من السكان أكثر من ذي قبل عندما قامت السلطات البريطانية بحظر سفر الوفد المصري بزعامة سعد زغلول إلى محادثات السلام في فرساي عام 1918، مبدِّدة الوعود الكبرى التي قدَّمتها بريطانيا للنخبة المصرية التي كانت تحاول انتزاع بعض المكاسب السياسية من دولة الاحتلال وعلى رأسها الاعتراف الرسمي بالاستقلال ووضع دستور مصري وتشكيل حكومة وطنية. يقول الرافعي في كتابه: "اشتعلت الثورة في مصر في التاسع من مارس عام 1919، ليس فقط بسبب المعاناة التي تحمَّلها المصريون في سنوات الحرب العالمية الأولى التي فُرض عليهم خوضها إلى جانب دولة الاحتلال، وإنما أيضاً كتعبير عن الظلم والاستغلال الذي تعرَّض له هذا الشعب خلال تلك الفترة، ففي الريف كانت تصادر سلطات الاحتلال ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحصول للمساهمة في تكاليف الحرب، كما حرصت السلطات العسكرية للاحتلال على إجبار الفلاحين على زراعة المحاصيل التي تتناسب مع متطلبات الحرب، وبيعها بأسعار قليلة، وتمَّ تجنيد مئات الآلاف من الفلاحين بشكل قسري للمشاركة في الحرب فيما سُمِّيَ بـ"فرقة العمل المصرية" التي استُخدمت في الأعمال المعاونة وراء خطوط القتال في سيناء وفلسطين والعراق وفرنسا وبلجيكا وغيرها، كما نقصت السلع الأساسية بشكل حاد، وتدهورت الأوضاع المعيشية لكل من سكان الريف والمدن، وشهدت مدينتا القاهرة والإسكندرية مظاهرات للعاطلين ومواكب للجائعين تطوَّرت أحيانا إلى ممارسات عنيفة تمثلت في النهب والتخريب". وفي كتابه، "سعد زغلول سيرة وتحية"، الصادر عام 1936، يصف عباس محمود العقاد، الأجواء في شهر الثورة قائلاً: "بدأ شهر مارس1919 والأفق السياسي ينذر بهبوب العاصفة، فكانت تسوده حالة من هياج الأفكار، والأحوال تدل على إصرار الحكومة البريطانية على تثبيت حمايتها التي فرضتها 1914، ومع مماطلة الاحتلال في سفر الوفد المصري إلى مؤتمر الصلح لعرض القضية المصرية، كانت فكرة التوكيلات التي أقبلت كل طوائف في حماس منقطع النظير على توقيعها، آخر المساعي الممكنة". "لم يكن الظن في بادئ الأمر أنها ثورة، فقد كانوا يعتبرونها مجرد مظاهرات أو احتجاجات بدأها الطلبة في الجامعات، أطلقت عليهم قوات الاحتلال البريطاني بعض الرصاصات، وسينتهي كل شيء في ساعات، لكن الأمر خرج عن توقعات الجميع"، هكذا يصف عبد الرحمن الرافعي ثورة 1919. بدأت أحداث الثورة في صباح يوم الأحد 9 مارس1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات في أرجاء القاهرة والإسكندرية والمدن الأخرى بالبلاد، وخرجت أولى المسيرات الطلابية في مسيرة سلمية لمدرسة المهندسخانة، ثم مدرسة الزراعة بالجيزة، ثم انضمَّت لها مدرسة الطب بقصر العيني، ثم مدرسة التجارة حتى وصلوا إلى حي السيدة زينب؛ فأحاطت القوات الإنجليزية بالمتظاهرين واعتقلت بعضهم. في اليوم التالي، كان طلبة المدارس الأخرى وطلبة الأزهر علموا بالأمر، وقرَّروا المشاركة في الإضراب، وانضمَّ إليهم في المسيرة كل من قابلهم في الطريق من العامة، وهتف الجميع بسقوط الحماية البريطانية. واستمرت مظاهرات الطلبة لأيام متتالية حدثت فيها بعض الاعتداءات على المحال الأجنبية، وتم الاعتداء على "الترام"، وتحطيم المصابيح، واقتلاع للأشجار. وفقاً للرافعي. أما إضراب العمال، فقد أصاب العاصمة كلها بالشلل، وسمح بتصعيد العديد من المظاهرات والاضطرابات الأخرى مثل إضراب السائقين، من سائقي الترام وسائقي الأجرة، حتى تعطَّلت جميع المصالح الأخرى في البلاد، وأغلقت المحال التجارية والبنوك. وتبع إضراب السائقين إضراب المحامين والقضاة، ثم تبعه إضراب عمال السكك الحديدية في 15 مارس/آذار، بعد الأحداث التي عرفت بمجزرة مارس حين فتحت القوات البريطانية النار على المتظاهرين ومجموعة من المصلين الخارجين من مسجد الحسين، ظناً منهم أنهم متظاهرون.




















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;