قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامى، إن "النبى"- صلى الله عليه وسلم- استجاب لرأى سلمان الفارسى بحفر الخندق، لإحباط محاولة جيش الأحزاب - الذى يتألف من قريش وقبائل موالية لها من بنى النضير، وغطفان، وبنى سليم، وأشجع وبنى أسد - اقتحام المدينة، لما قال له: "إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا بعدد لا قبل لنا به، خندقنا علينا".
واستعرض خالد فى الحلقة الـ13 ببرنامجه الرمضانى "السيرة حياة"، العمل فى حفر الخندق حول المدينة المحاطة بالجبال من كل ناحية شرق وغرب، بينما فى الجنوب هناك يهود بنو قريظة وكانوا بينهم وبين النبى عهد، فتبقى منطقة واحدة مفتوحة لحفر الخندق.
وأضاف: "لم يكن أمامهم سوى 15 يومًا، والأرض فى المدينة صخرية، وفكرة الخندق غريبة على العرب، فقبل النبى والصحابة الفكرة المقتبسة من الفرس أعداء المسلمين على الرغم من الفوارق الواضحة والعميقة، لأن "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها".
وتابع: "اختار النبى مكان الحفر فى منطقة هى أقصر مسافة بين جبلين عند جيل مشهور إلى الآن اسمه جبل "سلع"، بلغ طوله3 كيلو، وعمقه ما بين 2: 3 متر، والعرض 7:5 متر.
وأشار إلى أن "النبى وضع طريقة العمل، إذ بلغ عدد العاملين 1500 رجل، كان نصيب كل فرد ½ 2 متر حفر، وقسم العمال إلى مجموعات، كل مجموعة 10 أفراد، تتولى حفر المسافة المحددة لها، وتتولى حمايتها أيضًا عندما تهاجم الأحزاب المدينة، حتى يضمن جودة العمل".
وعلق خالد: "كان هناك القوى والضعيف، فلم يعمل كل فرد لوحده، حتى يقوى بعضهم بعضًا، ولكل مجموعة مسئول واستشارى لضمان الجودة، ومسئول اتصال الذى يجب أن يخطر النبى وسلمان بنتائج العمل".
وذكر أن الصحابة كانوا يرددون أثناء العمل: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا"، فيجيبهم النبى بقوله: "اللهم أنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك فى الأنصار والمهاجرة"، ليقول أن "الأغانى كانت ملازمة لكل حركة للمسلمين فى المدينة، بالعكس من أفكار المتشددين تمامًا، فإذا ما سكتوا، حفزهم النبى من أجل أن يرفع الروح المعنوية لديهم، فى روح من المرح والود واللطف، وهذا أيضًا من السُّنة".
وأوضح أن "النبى حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، كان الصحابة يستعينون به فى تفتيت الصخرة، حتى خلع رداءه، وظهر خاتم النبوة، أمر سلمان بأن يتم استغلال التراب الذى سيتم إخراجه من الخندق فى عمل كثبان رملية "ساتر" أمام الخندق، ليصعب على العدو مهمته".
وتابع خالد: "كانت هناك حالة من الخوف الشديد فى نفوس المسلمين، يعبر عنها القرآن قائلاً: "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِى الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً".
لكنه أشار إلى أن "الله يثبت عبادة، فما أن أول ما وصل جيش الأحزاب حتى ذهب الخوف من نفوس المسلمين، "وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا".
فى المقابل، قال خالد: "لما شاهدت قريش وحلفاؤها الخندق عبروا عن انبهارهم الشديد بتلك الحطة الدفاعية، بث الله فى قلوبهم الرعب، فقد خشوا من أن تكون هناك مفاجآت أخرى".
واستطرد: "وضع النبى حُرَّاسًا على الخندق حتى لا يقتحمه المشركون بالليل، وكان يحرس بنفسه جزءًا منه مع شدة البرد، وعمل 3 مجموعات للمراقبة تتألف كل مجموعة من 25 شخصًا يقودهم شخص واحد. بدأت الأحزاب تحاول العبور، لكن الخندق جعل مهمتها مستحيلة، فأخذت تدور حوله للبحث عن ثغرة أو نقطة ضعيفة تنفذ منها".
طال الحصار فما هو الحل؟، يجيب خالد: "اختمرت فكرة فى رأس زعيم اليهود حيى بن أخطب، طلب أن يأذن له النبى فى الدخول للحديث إليه، وهو يقول: والله ما أكرهنا على ديننا ولا غصب لنا مالاً ولا عاقبنا بغيرنا، شهد باحترام النبى للمواطنة، فلم يزل به حتى أقنعه".
وذكر أنه بينما أخذ النبى يفاوض غطفان على ثلث ثمار المدينة، واستشار سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، ليردا عليه: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه؟ أم شيئًا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا؟"، قال له: بل شيء أصنعه لكم.
قال سعد بن معاذ: "يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء... وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا بثمنها، أفحين أكرمنا الله بالإسلام نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، فقال الرسول: أنت وذاك".
وعلق خالد: "ربط بين الإيمان وحب الوطن والحفاظ عليه، لأن الإيمان يجعلك تحب وطنك وتتمسك به أكثر"، مشيراًُ إلى أن رجلاً مسلمًا من غطفان (نعيم بن مسعود) قال للنبى: "يا رسول الله، أن قومى لم يعلموا بإسلامى فمرنى بما شئت" فرد عليه: "إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا أن استطعت"، الله هو الناصر، إذا كان الله معك فمن عليك، فلا يكون فى كون الله إلا ما أراد الله.
وذكر أن "نعيم" استطاع الإيقاع بين لبنى قريظة وقريش، "فلما كانت ليلة السبت من شوال من السنة الخامسة من الهجرة، بعثت قريش وغطفان إلى يهود: "فانهضوا بنا حتى نحارب محمدًا"، فردوا عليهم: "إن اليوم يوم السبت، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن"، ودبت الفرقة، بفضل ذكاء شخص واحد.
فى النهاية، قال خالد: "هبت ريح فى ليلة شاتية شديدة البرد، فانكفأ قدورهم، تطفأ نيرانهم، تعرض خيامهم، تقطع أوتارهم، ضرب بالحصى كمن يرجم، كل هذا مدد من الله: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً"، ليخلص إلى القول: ابذل جهدك ثم انتظر نصر الله.