حذر الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامى من خطورة ترديد الشائعات، كسلاح مدمر ضد الأفراد والرموز والدول، من أجل تفجير المجتمعات من الداخل، وخاصة فى زمننا الآن بعد أن أصبحت التهم المفبركة يتم تداولها على نطاق واسع عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعى، وتناقلها دون تدقيق، ما يؤدى إلى تدمير بلاد وتشويه سمعة الأفراد.
وفى الحلقة الخامسة عشر من برنامجه الرمضانى "السيرة حياة"، ساق خالد، "حادثة الإفك" عندما خاض البعض فى عرض زوجه السيدة عائشة رضى الله عنها، واتهموها بالفاحشة، كنموذج على معالجة الشائعات داخل المجتمع.
ووصف خالد الواقعة التى حصلت فى شهر شعبان في السنة الخامسة من الهجرة بأنها "أصعب وأقسى موقف يمكن أن تتعرض له امرأة أنها تتهم في شرفها في عرضها، فما بالك إذا كانت عائشة أم المؤمنين زوجة النبى وبنت أبى بكر الصديق، الذى قال: "والله ما رمينا بها فى الجاهلية أفنرمى بها فى الإسلام".
وذكر خالد، أنه بعدما انتهت غزوة "بني المصطلق" بانتصار المسلمين، وبينما كان جيش المسلمين على رأسه النبى فى طريق العودة إلى المدينة، كان أمامه يوم وليلة، توقف فى الطريق للراحة، فنزلت السيدة عائشة من "الهودج"، وذهبت تقضى حاجتها، وبينما كانت عائدة، أمر النبى الجيش بالتحرك، تقول: "فوضعت يدى على عنقى فلم أجد عقدى.. فتركت الهودج وعدت إلى المكان، فجاء الرجال يحملون الهودج فلم يستشعروا أننى لست بداخله، لأن النساء فى ذلك الوقت كنا خفافًا"، وجدت عقدها لكن الجيش كان قد تحرك".
وعلق خالد: "كانت هناك حكم ودروس من وراء حديث الإفك، والتى لم نكن لنتعلمها إلا من خلال هذه المحنة، أولها أن الشائعات متمكنة من نفوس الناس، ونزعها يحتاج لحدث ضخم، الثمن كان غاليًا ومؤلمًا بشدة للصحابة وأمنا وعائشة وأبى بكر، حتى نتعلم نحن".
يستكمل خالد التفاصيل: "بقيت السيدة عائشة فى المكان، وقالت: إذا افتقدونى سيعودون، لكن غلبتنى عيناى فنمت، وكان رسول الله دائمًا قد جعل فى مؤخرة الجيش صفوان بن المعطل السلمى، الذى شهد معه الغزوات كلها بدر وأحد والخندق، تقول: فوجدنى وعرفنى، استدار واسترجع وقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، حتى يوقظها، ثم أناخ الجمل، تقول: فركبت، فوالله ما تكلم معى كلمة "حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ فِي شدة الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وتكلم فى عرضى من تكلم وَكَانَ الَّذِى تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ" رأس المنافقين".
وذكر أنه لما "روت عائشة للنبي ما حصل، صدقها ولم يتسرب إليه الشك، لكن لم رآها عبد الله بن أبى بن سلول قادمة ومعها صفوان بن المعطل يقود الجمل، تظاهر أنه لا يعرفها، وسأل: من هذه.. فلانة؟ قالوا: لا .. هذه عائشة.. ومن هذا؟ إنه صفوان بن المعطل، فقال: "والله ما أظن إلا أن عائشة قضت ليلتها مع صفوان بن المعطل"، ولم ينطق بعدها، أطلق الشائعة، وترك المنافقون يغذونها، وأخذ بعض المسلمين البسطاء يرددونها، حتى انتشرت فى كل أرجاء المدينة".
وعلق خالد: "كان يريد من ذلك تدمير المجتمع المسلم من الداخل، كما تفعل الآن حروب "الجيل الرابع" لإفشال الدول، فعمل على محاولة اغتيال النبى معنويًا، من خلال تشويه سمعته عبر اتهام زوجته، حتى يزعزع ثقة المسلمين فيه وفى أهله".
وتابع خالد محذرًا: الشائعة يحملها الخبثاء، وينشرها الأغبياء، ويصدقها المغفلون البسطاء، ويرفضها المؤمن الحكيم صاحب الخلق الرفيع، فإياك أن تساهم فى الترويج للشائعات حتى لو من خلال "لايك"، إذ لابد من مصدر دقيق "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.."، ومواقع التواصل ليست مصدرًا، فأين الدليل؟
وقال إنه "على مدار شهر كامل والمدينة ظلت تموج بالشائعة، لم ينزل الوحى خلاله للفصل فى الموضوع، تقول السيدة عائشة: "ولم يوح إلى رسول الله فى شأنى بشىء"، كأن الله يريد أن يكشف معادن الناس، وكذلك أنت سيظهر معدنك مع كل شائعة تخرج دون بينة".
وذكر أنه لما علمت السيدة عائشة من ابنة خالتها "أم مسطح" بما يقوله الناس عنها، عادت إلى المنزل، "قالت للنبي: أتأذن لى أن أذهب إلى بيت أبى وأمى لأمرض هناك، فأذن لي، حتى يخفف عنها، لأن فى الأزمات تغيير المكان يهون على الإنسان".
وأشارت إلى أنها عندما سألت أمها حول ما يتردد بشأنها أكدت لها ما يقال، "تقول: فبقيت أبكي يومى هذا.. لا يرقأ لى دمع، حتى خشى أبى وأمى أن ينفطر كبدى، فجاء الليل فبقيت ليلتى أبكى، لا أنام ولا يرقأ لى دمع، وأصبحت وأنا أبكى اليوم كله.
فى المقابل، لفت إلى أن "رسول الله كان يقول لأصحابه: والله ما أعلم عن أهلي إلا خيرًا، لكن الوحى لم ينزل، والنبى بشر، لكن كلامه واضح، فهو يبرأ عائشة مما نسب إليها زورًا وبهتانًا، وعندما سـأل زينب بنت جحش وكانت أكثر زوجات النبى منافسة للسيدة عائشة على حبه، قال لها: أسمعت ما يقول الناس؟ ترد: يا رسول الله أحمى سمعى وبصرى، والله ما علمت عنها إلا خيرًا".
وتابع: "فقام النبى، وصعد المنبر، وقال: أيها الناس من يعذرني فى رجل يؤذينى فى أهلى (يقصد عبد الله بن أبي بن سلول)، وما علمت عنهم إلا خيرًا، وقد ذكروا لى رجلاً (يقصد صفوان)، لا أعلم عنه إلا خيرًا، ولم يدخل بيتى إلا بوجودى".
وأشار إلى موقف أبى أيوب الأنصاري حين قال لزوجته: "أسمعت يا أم أيوب بما يقول الناس، لو كنت مكان عائشة أكنت تفعلين ذلك، قالت لا والله، فقال: فعائشة خير منك"، لافتًا في المقابل إلى هناك من تكلم، ومنهم حسان بن ثابت شاعر النبى، لكن الله غفر له، وأصلح خطأه بشعر يبرأ السيدة عائشة.
وذكر أن النبى قال: "يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفرى الله، فإن المؤمن إذا ألم بذنب ثم تاب، تاب الله عليه"، وكان لا يقصد الفاحشة، لكن يقصد أنه لو كان هناك ذنب آخر فاستغفرى، تقول: فقلص الدمع من عينى، فقالت: والله ما أجد لي ولكم إلا كلمة أبو يوسف.. "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون".
وأشار إلى "تعامل النبى بصبر مع الناس، لم ينقلب غاضبًا، ومن خاضوا في الشائعة، مثل حسان ومسطح، تابوا، وصفح عنهم. أما صفوان، فهو فارس نبيل، ظل صامتًا، لم يصدر منه أى تصرف عنيف أو عصبى.. بينما ظل سيدنا أبوبكر ينفق على "مسطح" لذى ساهم فى الترويج للشائعة "ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة".