قال الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامى، إن النبى صلى الله عليه وسلم استطاع أن يكسر الحواجز مع قريش، من أجل أن ينشر السلام بينهم، وتعريف أجيال ولدت وكبرت على كراهية الإسلام بهذا الدين، وذلك خلال "عمرة القضاء" التى أداها فى العام التالى من "صلح الحديبية"، وهو ما كان أحد أسباب دخول قريش الإسلام يوم فتح مكة.
وأضاف، فى الحلقة السادسة عشر من برنامجه الرمضانى "السيرة حياة"، أن النبى لم يدع أحدًا يتخلف عن أداء العمرة ممن حضر معه صلح الحديبية، لإعادة الثقة فى النفوس بتحقق وعد الله، "لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ"، كان يهدف إلى ترسيخ الثقة بداخلهم.
وأشار إلى أن "النبى خرج وحمل السلاح والدروع والرماح، وقاد مائة فرس عليهم محمد بن مسلمة، خشية أن تغدر بهم قريش.. وكأنه يقول إن النوايا الطيبة للسلام لا تكفى بل عليك أن تحتاط من الطرف الآخر".
وأضاف خالد: "قريش علمت بالخبر، وهذا ما أراده النبي، حتى يفهموا أنه مستعد"، فيما وصفه بأنه "حكمة عجيبة لمنع الصدام: احمِ عدوك من أن يجعله شيطانه يفكر فى الغدر بإظهار استعدادك".
على إثر ذلك، يقول: "ففزعت قريش، وقالت: والله ما أحدثنا حدثًا وإنا على كتابنا ومدتنا ففيم يغزونا محمد، فأرسلوا سهيل بن عمرو إلى النبى يقول له: والله يا محمد ما عُرفت صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر، تدخل بالسلاح فى الحرم على قومك وقد شرطت لهم ألا تدخل إلا بسلاح المسافر، فقال له: إنى لا أدخل عليهم بسلاح، فقال سهيل: هذا الذى تعرف به البر والوفاء، ثم رجع إلى مكة ليقول لهم: إن محمدًا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذى شرط لكم".
واعتبر أن "هذا مما يدل على الثبات على الأخلاق، وأكبر رد على المستشرقين الذين قالوا: إن أفعال محمد العظيمة ليست بسبب أخلاق أو دين لكن هى سياسة.. كذبوا.. ما عُرفت صغيرًا ولا كبيرًا بالغدر".
وتابع: "بكى الصحابة لحظة دخولهم مكة، بكاء اشتياق إليها، كان خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة يراقبون الوضع، وزعماء قريش يخشون من أن يحتك المسلمون بأهل مكة فيتأثرون بهم، فأرادوا أن يخلوا مكة من أهلها، فأشاعوا أن محمدًا وأصحابه مصابون بمرض معدى فخرجوا إلى الجبال خائفين".
وذكر أنه "بلغ النبى الشائعة فقال الصحابة: لو نحرنا فأكلنا من حلم الإبل وشربنا من مرقع، أصبحنا غدًا حين ندخل على القوم وبنا قوة، فقال النبي: لا تفعلوا ولكن اجمعوا إلى من أزوادكم فجمعوا وبسطوا الأنطاع، فأكلوا حتى تركوا، وحثا كل واحد منهم فى جرابه".
وأشار إلى أنه "كان هناك إصرار من النبى على البساطة وليس التعالى والتفاخر، فاهتزت مشاعر خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة لما شاهدوا المسلمين يأكلون مع بعض، فهذا التواضع لا تعرفه قريش بين أغنيائها وفقرائها".
وأوضح أنه عند دخول مكة بدأ عبدالله بن رواحة ينشد قائلاً: "خَلّوا بَنى الكُفّارِ عَن سَبيلِهِ ** خَلّوا فَكُلُّ الخَيرِ فى رَسولِهِ..يا رَبُّ إِنّى مُؤمِنٌ بِقيلِهِ ** أَنى رأيت الحَقَّ فى قَبولِهِ"، فقال عمر: ما هذا يا ابن رواحة بين يدى رسول الله، وفى حرم الله تقول الشعر، فقال النبى: دعه يا عمر إنى أسمع فلهو أسرع فيهم من نضح السهام، كان مؤمنًا بتأثير القوة الناعمة وأنها أقوى من السلاح، فى حفر الخندق غناء وفى بناء المسجد غناء واليوم فى العمرة يسمع الغناء، لكنه الفن الذى يبنى ولا يهدم.
ثم قال النبى لابن رواحه.. وارفع صوتك: لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده.
مع ذلك، أكد خالد أن "النبى رفض أن ينزل بيتًا من بيوت المسلمين التى استولت عليها قريش، وإنما ضربت خيام فما استظل أحدهم بسقف بيت، وأخرج عضده الأيمن، ثم قال: رحم الله رجلاً أراهم من نفسه قوة، أمر المسلمين أن يرملوا 3 أشواط يلبون، فقال الناس على رؤوس الجبال: هؤلاء الذى زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا، ما يرضون بالمشى أما إنهم لينقزون نقز الظباء".
وذكر أن النبى أمر بلال فى صلاة الصبح أن يؤذن من فوق ظهر الكعبة فأذن، فقال عكرمة: لقد أكرم الله أبا الحكم (أبا جهل) حيث لم يسمع هذا العبد ينعق من فوق الكعبة. وقال صفوان: الحمد لله الذى أذهب أبى قبل أن يرى هذا العبد الأسود، ومنهم من غطى وجهه، لكن النبى لم يستفز ولم يعلق على كلامهم، والمفارقة أن الاثنين أسلما يوم فتح مكة.
وأوضح خالد أن النبى لم ينس الحراس الذين يحرسون الأسلحة والعتاد خارج مكة، فأرسل من يقوم بمهمتهم ممن طاف وسعى مكانهم، وأثناء الطواف كان إلى جواره الوليد بن الوليد وهو من الصحابة، قال له: أين خالد.. وددت لو أسلم. لم ينشغل بما فعله فى أحد، لأن هدفه: بناء إنسان.. رحمة للعالمين.
فى تلك الأثناء، أشار إلى أن النبى تزوج بميمونة، وهى أخت أم فضل زوجة العباس, وخالة خالد بن الوليد وعبدالله بن عباس، وكانت مسلمة، وبقيت فى مكة وحيدة بعد وفاة زوجها، فتمنى العباس من النبى أن يتزوجها فوافق.
وقال إن النبى أراد أن يتخذ من زواجه من "ميمونة"، وسيلة لزيادة التقارب بينه وبين قريش، لكنها رفضت أن يستمر لأكثر من 3 أيام بمكة، وعندها أمر النبى بأنه: "لا يمسين أحد من المسلمين بمكة وقام ركب ناقته، فما غربت الشمس وواحد من المسلمين فيه، وتزوج النبى من السيدة ميمونة خارج مكة ( قرب التنعيم) بمنطقة اسمها "سرف" معروفه إلى الآن، وهى آخر من تزوج، وآخر من مات من نسائه بعده، وماتت ودفنت فى مكان عرسها".
وقال إنه "بعد انصراف النبى ومن معه من مكة، وقف خالد ابن الوليد يقول: لقد استبان لكل ذى عقل أن محمدًا ليس بساحر ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين، فحق كل ذى لب أن يتبعه، ولما سمع أبو سفيان بما كان منه، بعث فى طلبه، وسأله عن صحة ما سمع، فأكد له خالد صحته, فاندفع أبو سفيان إلى خالد فى غضبه، فحجز عنه عكرمة، وقال: مهلاً يا أبا سفيان، لقد كدت أن أقول مثل ما قال خالد، والله لقد خفت ألا تمر السنة حتى يتبعه أهل مكة كلهم".
وأوضح خالد أن كلاً من خالد وعمرو وعثمان بن طلحة، وعمرو بن العاص أسلموا لاحقًا وقدموا إلى النبى، الأمر الذى أسعده كثيرًا، معتبرًا أن "عمرة القضاء" كانت هى السبب وراء إسلامهم، لما رأوه من المسلمين، عندما كانوا يتولون مراقبتهم أداء العمرة.