فى 21 يوليو 1960 افتتح إرسال التليفزيون المصرى فى السابعة مساء بخطاب للزعيم جمال عبد الناصر فى مجلس الأمة أثناء الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو، وأقبل المصريون على الشوارع لمشاهدة ذلك الاختراع الجديد الذى يتجسد على شكل شاشات وضعت فى الميادين العامة اجتمع حولها المواطنون.
بدايات فكرة إنشاء تليفزيون مصرى تعود إلى عام 1947 لكن تأجل تنفيذه حتى عام 1951، وأول تجربة تليفزيونية للإرسال بالقاهرة تمت قبل انطلاق البث الرسمى بتسع سنوات، وقبل ثورة يوليو بعام واحد أى فى عام 1951 وأجرت الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون فى ذلك الوقت أول تجربة للإرسال فى مصر عن طريق محطة إرسال أقيمت بمبنى سنترال باب اللوق.
بدأ العمل على بناء التليفزيون المصرى، فى أغسطس 1959 بتكلفة بلغت 108 آلاف جنيه مصرى على مساحة نحو 12 ألف متر مربع، وسرعان ما التف جميع المصريين يتحلق حول هذا الجهاز الذى بدأ إنتاجه وبيعه بالتقسيط المريح حتى يتاح لأكبر شريحة من المصريين شراؤه، وكان سعره مرتفعا جدا آنذاك "35 جنيها مصريا".
بدأ التليفزيون المصرى إرساله لمدة خمس ساعات يوميا وبدأ الإرسال بتلاوة آيات من القرآن الكريم، بصوت القارئ محمود صديق المنشاوي، ثم قام الوزير عبد القادر حاتم بإذاعة أول بيان وكان كالآتى: بسم الله الرحمن الرحيم.. نفتتح اليوم من مبنى التليفزيون العربى بالقاهرة ودمشق وحلب، أول الإرسال، ونتعلق لسماعخطاب رئيس الجمهورية فى ذكرى 23 يوليو 1960، وسنذيع بثلاث لغات وسيصير هذا التليفزيون عملاقا، وستكون مهمته نشر الثقافة والأدب والفن والبرامج الدينية والإخبارية والرياضية، ثم إذاعة وقائع حفل افتتاح مجلس الأمة وخطاب الرئيس جمال عبد الناصر ونشيد "وطنى الأكبر" ثم نشرة الأخبار ثم الختام بالقرآن الكريم.
توقف البث فى اليوم التالى لينطلق فى اليوم الثالث الموافق الثالث والعشرين من يوليو مع الاحتفال بأعياد الثورة، حيث زادت مدة البث إلى ست ساعات .
ويقول الدكتور عبد القاد حاتم أول وزير إعلام فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى مذكراته: "كان لدى اصرار على تحقيق حلم صديق العمر جمال عبد الناصر بإنشاء التليفزيون بغرض تعليم الشعب وتثقيفه ومحو أميته، فى البداية لم يوافق الرئيس عبد الناصر ، فقد كانت قضايا التنمية والتحديات الخارجية تشغله وليس بميزانية الدولة فائض لإنشاء جهاز التليفزيون، ولكنه حينما وجدنى زعلت ، فقال اعرض رأيك فى اجتماع مجلس الوزراء وهو صاحب القرار ورغم الاعتراضات التى واجهتنى إلا أننى اعتبرتها وجهات نظر ترغب ألا يكون للتليفزيون أى آثار سلبية على وزاراتهم وأنشطتهم".
يشرح الدكتور حاتم : "تحدث وزير الزراعة فى ذلك الوقت قائلا أرفض تماما إنشاء مبنى التليفزيون ، لأن الفلاح المصرى لو انشغل بالسهر ومشاهدة البرامج التليفزيونية ، فمن المؤكد إنه لن يذهب فى الصباح الباكر لرى أرضه والعمل بجهد وإخلاص فى خدمة الأرض التى يقوم بزراعتها .
ثم تحدثت مع وزير الصناعة وقال من المستحيل"تلبية مطالب إنشاء المشروع الضخم لأن مصانعنا ليست مؤهلة لذلك ، ثم تحدث وزير التعليم وقال إنه فى حاجة لأى دعم مادى لبناء مدرستين لتعليم أبناء الطبقة الفقيرة أفضل من بناء مبنى للتليفزيون ، وكان آخر المتحدثين د.عبد المنعم القيسونى وزير الاقتصاد الذى أيد إنشاء مبنى التليفزيون، وقال إنه سينقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة التى تتمتع بوسائل إعلام متطورة".
وبالفعل وافق الرئيس عبد الناصر على تنفيذ المشروع، ووضع جدولا زمنيا لبناء المبنى وصدق د.القيسونى على توفير الدعم المالى لإنشاء المشروع الذى بدأ مشروعه بتمويل بلغ 200 ألف جنيه. وهكذا أنشئ التليفزيون بالجهود الذاتية ، ونجح البث التجريبى للبرامج، وتقدمت أعداد كبيرة من الفنانين العالميين يتقدمون بطلبات للظهور على شاشة التليفزيون المصرى الذى يعد أول تليفزيون فى منطقة الشرق الأوسط".