كشف الكاتب الصحفي والإعلامي عادل حمودة، تفاصيل لقائه للمرة الأولى مع الصحفي القدير الراحل صلاح حافظ، إذ ذكر أنه دخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وأثناء تواجده في الجامعة التحق بالعمل في روزاليوسف صحفيًا تحت التدريب، موضحًا أنه عندما كان عائدًا من الجامعة تعطل «الترولي باص» وهو أتوبيس كان يسير بالكهرباء، اختفي فيما بعد من القاهرة، « الترولي باص تعطل أمام مبنى روزاليوسف في شارع قصر العيني».
وأضاف «حمودة»، خلال تقديمه برنامجه «واجهة الحقيقة»، الذي يعرض على شاشة «القاهرة الإخبارية»، « كنت أحمل كشكول أخضر سجلت فيه ما كتبت من قصص قصيرة فكرت في نشر واحدة منها، في مدخل المؤسسة كان يجلس محمد أبو طالب موظف الاستقبال الذي كان يغطي رأسه ببريهه مثل توفيق الحكيم».
وتابع الكاتب الصحفي والإعلامي عادل حمودة: «موظف الاستقبال سألني بصوت مرحب وابتسامة مشجعة، عاوز مين؟، قلت له أريد مقابلة صلاح حافظ، ورد: أطلع الدور الخامس وأسأل عنه، سأتصل به الآن»، موضحًا أنه لم يتصور أن صلاح حافظ نائب رئيس التحرير وأهم كتابها يمكن ان يقابل شابا مجهولا يحمل قصة ربما لا تصلح للنشر، لكنها كانت طبيعة روزاليوسف الخالية من العقد البيروقراطية والمؤمنة بالمواهب دون واسطة.
و واصل: « ما أن التقيت صلاح حافظ وقدمت إليه الكشكول الأخضر حتى راح يقلب أوراقه ويقرأ بعضا مما كتبت ثم قال: الهزيمة ألغت الحكايات وعطلت كتابة القصة وبسبب الهزيمة تحول معظم الادباء إلى كتابة المقال سعيا وراء فرصة أسرع للتعبير عن الكارثة التي تورطنا فيها.. سكت ثانية ثم أضاف: نحن في حاجة إلى صحفيين لا أدباء. جئت بـ كشكولك متأخرا»، وشعر صلاح حافظ بإحباطي فابتسم قائلا: « أهلا بك محررا تحت التمرين أدخل صالة التحرير وأجلس على المكتب اللي يعجبك».
وتابع: «هكذا ببساطة دخلت روز اليوسف وبقيت فيها ثلاثين عاما. من صحفي تحت التمرين إلى مسئول عن التحرير في تجربة لفتت أنظار الجميع وقدمت إلى الصحافة والفضائيات نجوما يصعب حصرهم، صلاح حافظ استاذي الذي علمني مليون حرفا ولم أصر له عبدا وإنما صرت صديقا».
وقال عادل حمودة، إن العدد الأول من مجلة روز اليوسف قد صدر في يوم 26 أكتوبر 1925، وفي اليوم التالي ولد محمد صلاح الدين حافظ، «كانت صدفة مثيرة للدهشة فعلا»، مشيرا إلى أنه عندما كان العاملين بالجريدة ينهوا احتفالهم بعيد ميلاد الجريدة كانوا يحتفلون بعيد ميلاده.
وأضاف أن الاحتفال بعيد ميلاد الأستاذ محمد صلاح حافظ دائما ما كان احتفالنا من نوع خاص، وحيينها كانت تصدر له مجلة بعنوان «27 أكتوبر» يكتبها ويرسمها لأصدقاؤه كلا من «فتحي غانم، عبدالستار الطويلة، سعاد رضا المدير العام والعضو المنتدب. وأنا، وكان من الرسامين جمال كامل، هبة عنايت، جمعة فرحات».
وأوضح الإعلامي أنه بهذه المناسبة كانت تقبل طلبات السلفة التي يقدمها، حيث ولد صلاح حافظ في الفيوم، وكان والده معلما ثم ناظرا لكنه تركه يعتمد على نفسه حتى نال لقب الأول في الشهادة الابتدائية التي حصل عليها من إحدى مدارس مدينة بني سويف، حيث تفوق أيضا في حصوله على شهادة التوجيهية او الثانوية العامة بمجموع حقق حلم أسرته ودخل كلية الطب عام 1941 وسافر إلى القاهرة ليعيش فيها خلال شهور الدراسة.
وأكد أن الشاب النحيل المبتسم المتواضع كان له حلم آخر، حيث أصبح كاتبا وروائيا مثل تشارلز ديكنز في إنجلترا، أو فيكتور هوجو في فرنسا أو ليو تولستوي في روسيا، حيث أراد ان يصبح مثلهم ليعبر عن البسطاء والفقراء في الريف حيث ولد، وفي المدينة حيث تعلم.
وقال عادل حمودة، إنه لم تأت الحرب العالمية الثانية إلى مصر بجيوش الحلفاء ليشاركوا في معارك العلمين وشمال أفريقيا، وإنما جاءت إليها بأفكار أيدلوجية لم تكن تعرفها من قبل، مشيرا إلى أن مصر قد عرفت في سنوات الحرب العالمية التنظيمات الفاشية مثل حزب «مصر الفتاة»، حتى عرفت التنظيمات اليسارية مثل «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» التي يطلق عليها اختصار «حدتو».
وأضاف أن الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني جرى تأسيسها في عام 1943، لمفكر يهودي من أصول إيطالية هو هنري كوريل الذي اغتيل في باريس عام 1987 في جريمة لا تزال غامضة حتى اليوم.
وأوضح الإعلامي أن صلاح حافظ قد أنضم إلى «حدتو» ليعرف فيما بعد أن عددا من الضباط الاحرار انضموا اليها مثل جمال عبد الناصر ويوسف صديق وأحمد حمروش وكمال رفعت وخالد محيي الدين ووجيه اباظة وعبد اللطيف البغدادي وغيرهم.
وأكد أنه مع نجاح ثورة يوليو بدأ الصراع السياسي حول الديمقراطية، حتى اختلف التنظيم مع الضباط الأحرار، حيث بدأ القبض على أعضاء التنظيم ومنهم صلاح حافظ الذي اعتقل من 16 أبريل 1955 حتى 20 سبتمبر 1964.
ولفت إلى أنه قبيل اعتقال صلاح حافظ هرب 11 شهرا بعيدا عن الأمن، حيث اختبأ في بيت «تحية كاريوكا» بتوصية من أحد أزواجها السابقين الذي كان يساريا، واختبأ صلاح حافظ في مخزن بيت النجمة الشهيرة حيث قدم إليه الطعام، وأحضرت الكتب والجرائد، وسمع منها أهم الأخبار السياسة.
وأضاف «حمودة» أن صلاح حافظ قد سمي ابنته تحية وفاءً وتقديرا لتحية كاريوكا، حتى احترفت تحية حافظ التمثيل أما ابنه الآخر شريف فتخرج مهندسا وان لم يعمل بالهندسة، وما أن عرف أن الأمن استدعى تحية كاريوكا حتى خاف صلاح حافظ عليها وترك بيتها وسلم نفسه.
وقال إن الكاتب الصحفي الراحل صلاح حافظ عندما كان طالبا في مدرسة بني سويف الثانوية فاز في مسابقة القصة القصيرة التي تجريها وزارة المعارف سنويا ونُشرت القصة في جريدة «الكتلة» التي يصدرها مكرم عبيد بعد أن انشق عن حزب الوفد، مشيرا إلى أنه ما أن وصل الى القاهرة حتى تعرف على الشاعر والأديب والكاتب الشهير كامل الشناوي رئيس تحرير جريدة «المسائية» ونشر المزيد من قصصه على صفحاتها.
وأضاف أنه في جريدة المسائية أيضا تعرف على نجوم جيله من الكتاب: «إبراهيم الورداني ومأمون الشناوي ومحمود السعدني وحسن فؤاد وأنيس منصور»، ومن المسائية انتقل كل هؤلاء إلى جريدة النداء التي يملكها ياسين سراج الدين الذي كلف صلاح حافظ برئاسة تحرير مجلة جديدة للقصة.
وأوضح الإعلامي أن مجلة القصة قام صلاح حافظ فيها بنشر أول أعمال يوسف إدريس وعادل كامل ويوسف جوهر، وفي الوقت نفسه لم ينس صلاح حافظ التعبير عن آرائه السياسية ونشر الكثير من المقالات في صحيفتي الكاتب والملايين وكلاهما من الصحافة اليسارية.
وأكد أن روز اليوسف ضمته إليها في يناير 1951 بعقد قيمته 15 جنيها شهريا وقعه إحسان عبد القدوس وأثار غضب والدته فاطمة اليوسف واعتبرت 15 جنيها سابقة لا يجوز أن تتكرر، وفي الوقت نفسه شارك صلاح حافظ في تحرير العدد الأول من أخبار اليوم بدعوة من مصطفي وعلي أمين في عام 1944.
وتابع: «هنا يمكن القول إن صلاح حافظ جمع بين مدرستين في الصحافة المصرية، روز اليوسف مدرسة الرأي، وأخبار اليوم مدرسة الخبر، وأخذ من مدرسة روز اليوسف الجرأة والشجاعة والحماس للأفكار الجديدة، وأخذ من المدرسة الثانية أصول الحرفة وسرعة التأثير في القارئ وفنون الإثارة».
وقال إن الكاتب الصحفي الراحل صلاح حافظ ألقي القبض عليه في الواحات بعيدا عن القاهرة بنحو 500 كيلومتر في صحراء يصعب الهروب منها بسبب العطش والعقارب السامة والبعد عن العمار، مشيرا إلى أن هناك نمت موهبة التكيف مع أصعب الظروف التي تمتع بها صلاح حافظ فيما بعد، إذ أنه لم يغضب ولم يفكر في الهرب.
وأضاف أن صلاح زرع الخضراوات حتى يأكلها وزملاؤه، كما بنى هو وصديقه الفنان حسن فؤاد مسرحا من الرمال وبقايا الفاصوليا البيضاء ليمثلوا مسرحيات من تأليفهما، ولم يجدا سوى علي الشريف ليلعب الأدوار النسائية.
وأوضح الإعلامي، أن هناك أيضا أصدروا مجلة كوميدية من نسخة واحدة اسمها «حميدة»، وسخروا فيها من كل خصومهم كـ«الفاشية، الاستغلال، القهر، التستر وراء الدين، الفقر، المرض، التعسف».
وأكد أن كتب صلاح حافظ كانت من أفضل الأعمال الأدبية، منها رواية «المتمردون» عن لجوء المرضى في مصحة العلاج من السل إلى سلاح «العطس» في وجه الإدارة الرافضة لتحقيق مطالبهم حتى وافقت عليها خوفا من العدوى، وتحولت الرواية إلى فيلم أخرجه توفيق صالح عام 1968 ولعب بطولته شكري سرحان وزيزي مصطفى وتوفيق الدقن ومحمد توفيق.
وتابع: «كتب صلاح حافظ ومنها رواية القطار تحكي قصة نقل مساجين سياسيين من محطات مختلفة إلى مقرهم البعيد، كما نشرت الرواية في عام 1975 بعد كتابتها بنحو عشرين سنة، وكتب كذلك مسرحية الخبر عن الصحافة الصفراء التي تنشر أوهاما بمنشتات مثيرة، وترجم صلاح حافظ مذكرات شارلي شابلن ليعطي درسا في الترجمة ودرسا في عرض السير الذاتية للنجوم والمشاهير».