قال الكاتب الصحفى والإعلامى عادل حمودة، إنه فى عام 2017 اعترفت استراتيجية الأمن القومى فى إدارة الرئيس دونالد ترامب بعودة المنافسة بين القوى العظمى، موضحًا أن ساحات النقاش كانت خلال تلك الفترة فى الشبكات الإخبارية، والصحف والمجلات، ومراكز الأبحاث الاستراتيجية، ومحاضرات كليات العلوم السياسية
وأضاف «حمودة» خلال تقديمه لبرنامجه «واجه الحقيقة»، والمذاع على فضائية «القاهرة الإخبارية»، أنه بعد شهور من المناقشات والاجتهادات استقر الجميع على التعريف التالي: «القوى العظمى تعنى دولة ذات سيادة. تتمتع بقوة دبلوماسية واقتصادية وعسكرية كبرى تمنحها نفوذا واسعا فى الشؤون الدولية»، ولم يختلف مصطلح عام 2017 عن المصطلح الذى راج بعد مؤتمر فيينا عام 1815.
وأكد أنه تحت رعاية وزير خارجية بريطانيا أقر مؤتمر فيينا بأن النمسا وفرنسا وبريطانيا وروسيا هى القوى الأوروبية العظمى فى مرحلة ما بعد نابليون، وفى الوقت الحاضر فهناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن المجموعة الحالية من القوى العظمى سواء القوى العظمى الفعلية والقوى العظمى المحتملة.
وتابع: «أما سبب عدم اليقين فهو أن الكثير من الخبراء يرون أن القوة الامريكية آخذة فى الانحدار فى حين أن قوى عظمى مثل الصين آخذة فى الصعود، لكن هذه التقديرات ليست جديدة، وسبق أن تكررت نبوءات انهيار القوة الامريكية منذ بداية الحرب الباردة، وفى عام 1986 نشر بول كيندى أستاذ التاريخ فى جامعة ييل كتابة الشهير صعود وهبوط القوى العظمى».
وقال عادل حمودة، إنه غالبا لا تخرج قوة عظمى جديدة إلا معمدة بنيران حرب عالمية، وفى اللحظة نفسها تغرب شمس ما سبقها من قوى كانت عظمى، حيث أنه فى صباح يوم 28 يونيو عام 1914 تعرض موكب ولى عهد النمسا وزوجته إلى هجوم بالقنابل فى سراييفو عاصمة البوسنة.
وأضاف أنه ما أن اتجه إلى المستشفى للاطمئنان على ضابط الحراسة حتى وجد فى انتظاره أحد المهاجمين هو جافريلو برنسيب الذى أطلق عليه رصاصة أنهت حياته، حيث أنه فى ذلك الوقت كانت أوروبا تعيش حالة من الفوضى ضاعفت منها أزمة اقتصادية خانقة جعلتها جاهزة للانفجار مع أول شرارة.
وأوضح أن اغتيال ولى عهد النمسا كان الشرارة التى أشعلت الحرب العالمية الأولى بعد شهر واحد من الاغتيال، وهى الحرب التى شارك فيها 70 مليون جندى، وانتهت الحرب يوم 11 نوفمبر عام 1918، وقتل فيها 25 مليون إنسان، لكن الأهم أن الحرب أسقطت وفككت القوى العظمى الأربعة فى أوروبا.
وأكد أن الإمبراطورية الروسية، والنمساوية، والألمانية، والبلجيكية، والعثمانية خرجت من تحت الأنقاض بريطانيا وفرنسا لتصبحا القوتين الأعظم فى العالم، لكن ما أن بدأ هتلر فى خطة السيطرة على أوروبا حتى سقطت فرنسا تحت أحذية جنوده.
وأشار إلى أنه فى الوقت نفسه استدانت بريطانيا بأكثر مما تحتمل حتى تواجه القوة الألمانية الصاعدة فى الحرب العالمية الثانية، وتدخلت الولايات المتحدة فى الحرب، وتدخلت الولايات المتحدة فى الحرب لإنقاذ حلفائها من النازية والفاشية، لكنها تدخلت أيضا لتقتنص فرصة التربع على عرش القوى العظمى بعد أن أزاحت بريطانيا وفرنسا من أمامها.
وقال عادل حمودة، أن الكل يعرف عناصر القوة الأمريكية، إلا أن أحدى عناصر ضعفها هو الخوف من تفككها بالداخل، وأكد ذلك المناخ السياسى الحالى الذى يتسم بانقسام حاد، وكان أكبر مثال على هذا الانقسام رئاسة دونالد ترامب التى خرج منها إجراءات سلبية مختلفة.
وأضاف أن بعض تلك الإجراءات يتعلق بالهجرة، والبعض الأخر يتعلق بالسياسة الخارجية، وأخطرها يتعلق بالاستراتيجية العسكرية، حيث تضمنت تصرفات ترامب الأكثر تأثيرا منها الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادى، ومنع مواطنى العديد من الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة، والخروج من اتفاق باريس للمناخ.
وأوضح أن الرئيس الأمريكى جو بايدن تراجع عن العديد من القرارات التى اتخذها ترامب، فقد الغى الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وعاد إلى اتفاقية باريس للمناخ، كما أن هناك عيب آخر فى الولايات المتحدة هو ميلها الدائم للانخراط فى مشاريع عسكرية طويلة الأمد.
وبالرغم من قوتها العسكرية فلم تنتصر فى الهند الصينية خلال الحرب الباردة، أيضا لم تنتصر فى أفغانستان والعراق رغم انفرادها بالقوى العظمى، وفى غضون ذلك يبدو أن الصين تستعرض عضلاتها فى كل مكان، كما أن هناك قوى أخرى صاعدة تهدد الهيمنة الامريكية.
ولفت عادل حمودة، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت هى القوة العظمى الوحيدة فى العالم، وبلغت ميزانيتها العسكرية عام 2020 نحو 778 مليار دولار، بينما بلغ صافى ناتجها المحلى الإجمالى يبلغ 20 تريليون دولار، الأمر الذى أبرز الولايات المتحدة كقوة عالمية فى المسرح العالمى.
وأضاف أن أمريكا وعلى طوال تاريخها الممتد إلى 250 سنة خاضت 93 حربا استمرت 222 سنة قبل أن تجبر على إنهائها، وكان نموها الاقتصادى يمنحها ثقة هائلة فى سيطرتها على العالم.
وأوضح أن مايكل بيكلى، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة تافتس، أكد على أن النمو الاقتصادى طويل الأمد يعتمد على جغرافيا البلد والسكان والمؤسسات السياسية، وأن الولايات المتحدة تتمتع بالعناصر الثلاثة بلا منافسة، بسبب كونها دولة كبيرة جغرافيا وهى أمة شابة، وأخيرا لديها مؤسسات سياسية مستقرة.
وقال حمودة، أن القوة الإمريكية العظمى مهددة اليوم بصعود روسيا والصين إلى حلبة المنافسة بعد أن اتحدت فى منظمات مثل بريكس، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبى تحدى القوة العظمى أحادية القطب معتمدا على مساحته الشاسعة وعدد سكانه وثروته، حيث أن لا أحد يريد انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم.
وأضاف «حمودة» أن الدول دائما ما تتجمع فى كيانات تسمح لها باستثمارات عسكرية واقتصادية تنافس بها الاستثمارات العسكرية والاقتصادية الأمريكية حتى تنجو من هيمنتها، وسر هذه المنافسة أن القوى العظمى لا تعمل إلا لمصلحتها.
وأوضح أن عددا من المؤسسات الدولية كمجلس الأمن ومجموعة السبعة وفرت طرق مثمرة للقوى العظمى لتتعاون مع غيرها لكن تلك المؤسسات فشلت، حيث أن هناك إجماع على أن القوى العظمى تتسم بأنانية مفرطة، وشهوة فى السيطرة، وميل إلى الإذلال.
وقال عادل حمودة، أن الصين نجحت فى إحراز تقدما كبيرا فى نموها الاقتصادى، كما وتمكنت من تحديث قوتها العسكرية، وهما عنصران مؤثران من المتوقع استمرارهما إلى اجل غير مسمى، لكن ليس هناك إجماع بين الخبراء على أن الصين يمكنها تجاوز الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية فى العقود القادمة.
وأضاف أن ما رشح النمو السريع للصين صعودها إلى مستوى القوى العظمى هو مراهنة الكثير من الدول عليها حتى تحد من السطوة الأمريكية، وعلى المستوى الاقتصادى بلغ الناتج المحلى الإجمالى للصين 14 تريليون دولار فى عام 2020.
وأوضح أن الصين باتت ثانى أعلى معدل نمو فى العالم، حيث أنه ولا شك أن الصين ستنمو بمعدل أكبر فى العقود القادمة مقارنة بالولايات المتحدة، كما أنها أكبر دولة بها سكان يقترب عددهم من المليار ونصف المليار نسمة، لكن لا يزال الإنفاق العسكرى للصين أقل بكثير من الإنفاق العسكرى الأمريكى.
وأكد أن اقتصاد الصين المتنامى سوف يزيد بالقطع من إنفاقها العسكرى فى المستقبل، حيث أنه لم تتردد الصين فى الخروج بقواتها العسكرية خارج حدودها، وشاركت روسيا فى مناورات مشتركة عام 2015 فى البحر المتوسط، كما وشاركت روسيا فى مناورات فى بحر البلطيق عام 2017، وهناك تواجد عسكرى للصين فى شرق وجنوب آسيا.
وقال حمودة، أن الاتحاد الأوربى يعتبر فى عرف كثير من الخبراء القوة العظمى، لكن هناك الكثير من الشكوك فى ذلك لعدة أسباب منها أزمة الديون السيادية الأوروبية التى بدأت منذ عام 2008، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى رسميا فى عام 2020.
وأضاف أن بلغ الناتج المحلى الأوروبى 15 تريليون دولار عام 2020، وهو أكبر من الصين بتريليون واحد فقط، حيث يفتقر الاتحاد الأوروبى إلى جيش موحد رغم القدرات العسكرية الكبيرة جدا للعديد من أعضائه مثل ألمانيا وفرنسا.
وأوضح أنه بالرغم من كل تلك النقاط من القوة التى يتمتع بها الاتحاد الأوروبى، فإن الكثير من الخبراء يتوقعون تفككه بسبب اهتمام كل دولة من الدول الأعضاء بأولوياتها الاقتصادية والسياسية ولو كانت ضد مصالح باقى الدول الأعضاء، ويضاف لذلك أن الاتحاد الأوروبى يفتقر إلى سياسة خارجية موحدة، ولا يمكنه إظهار القوة العسكرية بشكل فعال فى جميع أنحاء العالم.