قال الإعلامي عادل حمودة، إن الشاعر الكبير نزار قباني قد تحول من شاعر رومانسي إلى سياسي بعدما أطلق قصيدته عقب هزيمة يونيو 1967 قائلا فيها: «عندما سقطت صخرة الهزيمة فوق رؤوسنا في يونيو 1967 بحثنا عن حائط مبكي نلقي عليه بأحزاننا، ووجدنا ما نخرج به البخار المكتوم من صدورنا في قصيدة » وكانت هوامشه على دفتر النكسة.
وأضاف «حمودة» خلال تقديمه لبرنامجه «واجه الحقيقة» والمذاع على فضائية القاهرة الإخبارية، أن تلك القصيدة جرى نسخها وتوزيعها سرا، بل وحفظناها، واستطرد: «حفظنا إذا خسرنا الحرب لا غرابة لإننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة».
وأوضح أن تلك القصيدة حولت نزار قباني إلى شاعر سياسي، كما وجرى القبض على الطلبة الذين كتبوا القصيدة في دفاتر المحاضرات ولم يفرج عنهم إلا بعد أسابيع، وبسبب تلك القصيدة أيضا مُنعت أغاني نزار قباني في الإذاعة المصرية، حتى بدأت قصة غامضة بين الشاعر والرئيس جمال عبد الناصر.
ولفت عادل حمودة، إلى إنه في عام 1982 التقيت نزار قباني لأول مرة في لندن، حينما كان يزور مجلة الحوادث اللبنانية التي أعمل معها وانتقلت إلى لندن بسبب الحرب الأهلية، ووجد نزار يجري حوارا صحفيا أسعده المشاركة فيه.، «أسعدني أكثر فنجان القهوة الذي تناولته معه بعد الحوار في أحد فنادق لندن».
وأضاف أنه في عام 1994 كنت مسؤولا عن تحرير روز اليوسف حين نشرت لنزار إحدى قصائده الممنوعة، وجد منه رسالة على الفاكس يشكره فيها على احتضانه لقصيدته قائلا: «لم يفاجئني موقفكم الطليعي الكبير والشجاع فهذا جزء من تراث روز اليوسف ومن تاريخها العريق إلي جانب الفكر الحر والكلمات التي لا تساوم».
وتابع: «من يومها لم أتردد في الاتصال بي كلما كنت في لندن، وكنت استقبله كلما جاء إلى القاهرة، توطدت صداقتنا إلى حد جعله يكشف لي عن الكثير من أسرار حياته التي لم يبح بها من قبل، وكشف لي عن أسرار دفاعه عن المرأة وحبه لها».
وقال حمودة، إن نزار قباني ولد في يوم 21 مارس 1923 في حي مئذنة الشمع دمشق القديمة، وزار البيت الذي ولد فيه لأجد قارورة عطر جمعت مئات الزهور حسب ما وصف نزار البيت في كتابه «حكايتي مع الشعر»، «نشأ نزار وسط عائلة دمشقية عريقة تمتد جذورها إلى أرض الحجاز.
وأضاف أن والده شارك أيضا في المقاومة الوطنية ضد الانتداب الفرنسي، وكان منزل الوالد مقرا يلتقي فيه أقطاب المعارضة الوطنية في عشرينات القرن الماضي، ووالدته هي السيدة فايزة من أصول تركية، وتمتعت الأم بشخصية قوية فرضت بها علي الجميع ان يدخل ابنها الجامعة ويتخرج في كلية الحقوق.
وتابع: «والدته كان لها دور كبير في حياته، حيث تعلق بها كثيرا، وظلت حكاياتها الليلية في ذاكرته طوال عمره، حيث حكت له الحكايات وهو طفل صغير وكتب لها القصائد وهو رجل كبير، وحمل ديوانه "الرسم بالكلمات" الكثير من القصائد التي اختلط فيها حبه العميق للأم بالعشق الدائم لمدينة دمشق».
واستطرد: «كان يقول: إنه كلما سافر وابتعد كلما اشتاق الى قهوة أمه ورائحة الياسمين في فناء منزله، حيث أنه لم يتمكن من نسيان مذاق قهوة والدته ورائحتها التي تذكره بحياته في دمشق، كما حاول كثيرا أن يصنعها بنفسه، ولكنها لم تحمل أبدا نفس الطعم ولا نفس الرائحة».
وأشار عادل حمودة، إلى إن الشاعر الكبير نزار قباني كان طفلا غير عاديا، حيث جرب الخطر حتى كاد أن يموت، وجرب لسعة النار، وجرب الارتطام بالأرض من مكان مرتفع، وفي الوقت نفسه اهتم بالرسم واستنساخ الزهور النادرة وتهذيب الأشجار على شكل القلب، وهذا ما عرفت منه.
وأضاف «حمودة»، أن هذا أيضا ما لمسته سلمي الجيوسي في مقال نشرته مجلة الآداب اللبنانية عام 1953، حيث كان المقال بعنوان: «شعر نزار قباني وثيقة اجتماعية»، وقالت: «إذا تقصينا صفات الشخصية الفنية عند، بدا لنا ازدواج هام فيها، فإن الرسام والشاعر يتزاحمان جنباً إلى جنب».
وتابع: «إن لنزار نظرة الرسام وذوقه مما جعله يعامل الشعر أحياناً كما لو كان فن الرسم، لكن في النهاية تغلب نزار الشاعر علي نزار الرسام، وفي سن الرابعة عشرة سكنه هاجس الموسيقى، ولكن هذه الرغبة غربت مسرعة مثل الرسم، وفي السادسة عشرة لم يجد في نفسه إلا الشعر، لكن الشعر جمع بين الرسم بالكلمات وأنغام الموسيقى الخفية في القصائد».
واستطرد: «عام 1939 كان نزار في رحلة مدرسية بحرية إلى روما حين كتب أول أبياته الشعرية، وكانت الأمواج والأسماك ابطال قصيدته الأولى التي كتبها وعمره 16 عاما، لهذا يعتبر تاريخ 15 أغسطس 1939 تاريخا لميلاد الشاعر نزار قباني».