"يلا بينا تعالوا.. نسيب اليوم فى حاله.. وكل واحد مننا يركب حصان خياله.. درجن درجن.. هنهرب من النهاردة ونهرب من المكان ونطير ونطير ونطير مع نسمة شاردة.. ونروح لأيام زمان".. ربما تكون تلك الكلمات الرقيقة التى جاءت على لسان "الشيخ حسنى" أو محمود عبد العزيز، فى نهاية فيلم "الكيت كات" هى الأكثر تعبيرًا عن الحالة العامة للفيلم نفسه الذى يعد واحدًا من كلاسيكيات السينما المصرية، بل يمكن وضعه وبكل طمأنينة فى قائمة أفضل 100 فيلم مصرى فى التاريخ، ولما لا وهو بطولة النجم الكبير الراحل محمود عبد العزيز، وسيناريو وحوار وإخراج داوود عبد السيد، وهو بالأساس رواية لإبراهيم أصلان "مالك الحزين".
ويقود الشيخ حسنى "الضرير" موتوسيكل وخلفه ابنه يوسف المذعور من قيادة والده للموتوسيكل، حتى يسقطا فى النيل، فيخرجا والمياه تغمرهما فيقول يوسف لوالده ضاحكًا "يابا أنت ليه مش عاوز تصدق أنك أعمى.. يا با أنت راجل أعمى"، ليرد الشيخ حسنى بجملته الشهيرة "أنا أعمى يا غبى!؟.. ده أنا بشوف أحسن منك فى النور وفى الضلمة كمان".
تتفق تلك الجملة بشكل كبير مع واقع العمل، وواقع شخصية الشيخ حسنى، تلك الشخصية العجيبة، التى ربما اعترانا جميعًا هذا الشك فى لحظات مشاهدتنا للفيلم "هو الراجل ده فعلا أعمى ولا بيشوف".
استطاع المخرج الظاهرة داوود عبد السيد، أن يخلق للشيخ حسنى عالمًا خاصًا ومتفردًا، فى ثانى تجاربه السينمائية بعد فيلم الصعاليك، وبعد مجموعة من الأفلام الوثائقية، وأيضًا بعد تجربته كمساعد مخرج ليوسف شاهين وغيره، ليضع بيده بصمة ستظل سنوات طويلة محفورة فى ذاكرة السينما، معتمدًا على أداء أقل ما يوصف به بأنه "عبقرية" من الراحل محمود عبد العزيز، الذى يقدم لنا نموذجًا فريدًا من لذلك الشخص الكفيف، الذى يعيش مع والدته وابنه، ويحظى بشعبية كبيرة فى منطقته، وفى نفس الوقت، يمتلك منزلاً، ولكن بسبب عشقه للحشيش، يضطر لبيع المنزل لتاجر مخدرات كبير "الهرم".
تفاصيل الفيلم متعددة ومتشعبة، حيث تتساقط أسرار المنطقة فى جعبة الشيخ حسنى، الذى يصبح عليمًا بعجز ابنه الجنسى، مع حبيبته فاطمة، وخيانة فتحية لزوجها مع الهرم، وفضحه لصبحى الفرارجى، ويتجلى ذلك حينما يقيم الشيخ حسنى عزاءً لأحد الأصدقاء، ولكن صبى الكهرباء يترك الميكرفون مفتوحًا، وأثناء جلسة الشيخ حسنى مع أصدقائه، يفضح كل هذه الأسرار دون علمه، أو حتى بعلمه، المهم أنه كشف المستور عن الجميع.
يحمل الفيلم بطياته مجموعة من الرسائل المهمة، ولكنها بسيطة فى نفس الوقت، قد يراها البعض سياسية، وكثيرون رأوها اجتماعية بحتة، تعبر عن حال المجتمع المصرى، آنذاك، ولكن مما لا شك فيه، هو رصد عبد السيد لحالة العبث الموجودة فى مجتمعنا، التى قد تصل بنا إلى اللامعقول، تتجسد بوضوع فى مشاهد للشيخ حسنى، ولكن أبرزها طريقة قيادة الشيخ حسنى لـ"الفسبة" الجديدة، فى المنطقة.