إذا كنا نبحث عن العبقرية فى الأداء والكاريزما والتماهى فى تشخيص الأدوار والطبيعية والمعايشة الكاملة فى الشخصيات فسيكون الفنان الراحل ممدوح عبد العليم فى مقدمة أصحاب تلك المدرسة التى تخرج منها نور الشريف وأحمد زكى وزكى رستم وخالد صالح ومحمود مرسى وآخرون.
أما إذا كنا نبحث عن الجوانب الإنسانية والمثالية فى الفنان فسيكون الفنان ممدوح عبد العليم فى المقدمة فشهامته وطيبته وجدعنته لا يختلف عليها اثنان فقد كان الراحل صاحب سيرة عطرة وسمعة طيبة وحب لله فى الله من كل زملائه ونضيف إلى ذلك كرمه الذى لمسته بنفسى فى أكثر من موقف أذكر منه رحلة جمعتنى به فى الأقصر ضمن فعاليات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية فقد كان الفقيد يسير فى الشارع معى فى عز الأزمة السياحية التى كانت يعانى منها الأقصريون وكان كلما يطلب منه سائل كان لا يتوانى فى مساعدته لدرجة أنه تقريبًا وزع كل ما كان لديه من أموال على المحتاجين والفقراء.
أتذكر أيضًا عزومة جمعتنى به وبعض الأصدقاء المشتركين الذين كانوا قد ضايفوه فى الأقصر وقت المهرجان فبمجرد علمه بتواجدهم بالقاهرة اتصل بهم وطلبنى لأكون ضيفًا أنا الآخر وعزمنا فى أحد المطاعم النيلية وكان يريد منا أن نتناقش معه فى أحد الأدوار التى عرضت عليه لبطولة مسلسل رمضانى وكان وقتها مازال فى مرحلة القراءة للسيناريو.
الفنان ممدوح عبد العليم بطل حقيقى فى السينما وفى الدراما التليفزيونية ولن تجد له عملا مثلا يندم عليه أو يقول لك إنه وافق عليه بحثًا عن المال ولكنه كان دقيقًا جدًا فى اختياراته وكان يفكر فى الشخصية قبل تجسيدها ويدرسها وكان رحمه الله عليه قد جمعتنى به جلسة وشرح لى فيها كيف يختار الدور وأى الأدوار يقبلها وأيها يعتذر عنه وكان يؤكد لى أن الدور ينادى صاحبه وكل الأدوار التى اعتذر عنها لم يندم عليها مطلقًا وكل الأدوار التى مثلها ولم يكن هو المرشح الأول لها كانت تناديه وقال بالحرف: "الشخصيات رزق من الله مثلها مثل الفلوس".
ممدوح عبد العليم يكاد يكون الممثل الوحيد الذى يضحكك ويبكيك وحتى أدواره الشريرة وهى قليلة تحبه وهو يجسدها وبرغم جبروته فى شخصية "رفيع بيه" فى مسلسل "الضوء الشارد" إلا أنه كان محبوبًا من الجميع، وفى فيلمه "بطل من ورق" ستجده يضحك من الموقف وقدم فى هذا الفيلم كوميديا راقية وكان نجمًا وبطلًا ليس من ورق ولكنه من دم ولحم فالنجومية لدى الفنان ممدوح عبد العليم كما ذكرها لى ليست فى البطولة ولكنها فى التأثير فأى عمل يجمع ممثلين كثيرين ولكن من يؤثر منهم فى المشاهد قليل.
الراحل ممدوح عبد العليم كان مخلصًا جدًا ووفيًا جدًا لكل زملائه وأصدقائه وأذكر أنه فى كل حديث كان يجمعنى به كان يشيد بثلاثة أصدقاء الأول هو المخرج الراحل عاطف الطيب الذى عمل معه وقال لى عنه إنه كان يفهمه من نظرة العين فلو مثل مشهدًا ينظر فى عينه فيعرف أنه غير راضٍ عنه فيعيده مرة أخرى حتى يتأكد من نظرات عينيه أنه راضٍ وبدون كلام.
الصديق الآخر الذى كان ممدوح عبد العليم وفيًا له هو الراحل الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة فقد كان دائمًا يقول عنه إنه عبقرى فى الكتابة وقراءة الأحداث وبلورتها فى عمل فنى وكان يشيد بالحوار الذى يكتبه قائلا: حواره بيمثل نفسه ولا تتعب فى فهمه أو تشخيصه.
الصديق الأخير الذى كان ممدوح دائمًا يشيد به ويتحسر على فراقه هو الناقد السينمائى الراحل سامى السلامونى فقد كان يقول عنه إنه أعظم وأهم ناقد عاصره فى حياته فقد كانت الكلمة عنده بحساب فى النقد وكان الجميع ينتظر ما سيكتبه السلامونى بعد طرح أى عمل فنى.